من يسير بسيارته في شوارع الرياض صباحا ومساء لا بد أن يتذمر جدا من الازدحام المروري المزعج في معظم شوارع العاصمة ويردد تساؤلات متكررة عن هذه المشكلة وأسبابها .. ولكن يبقى غياب خدمة النقل العام المنظم والراقي من أهم أسباب بروز وتنامي هذه المشكلة .. قبل أكثر من عشر سنوات تقريباً أعدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض دراسات تشخيصية وتحليلية وحضرية عن مدينة الرياض أوصت هذه الدراسات في نتائجها أن مدينة الرياض تشهد نمواً سكانياً سريعاً وتوسعاً عمرانياً وتجارياً وصناعياً كبيراً وأنه من المتوقع أن يتولد عن هذا النمو المتزايد سرعة كبيرة في حجم الحركة المرورية، الأمر الذي يستدعي النظر في تطوير وإدارة نظام النقل العام في المدينة بشكل مستمر والبحث عن بدائل فاعلة للتنقل بين أجزاء المدينة المختلفة ، لأن ما يزيد عن 93% من الرحلات اليومية تتم بواسطة المركبات الخاصة بينما تشكل رحلات حافلات النقل العام 2% فقط من مجموع الرحلات المتولدة في المدينة . ولذلك سارعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في ذلك الزمن إلى تنظيم ورشة عمل بعنوان " نحو تطوير نظام نقل عام آمن وفاعل في مدينة الرياض - التحديات والفرص المتاحة -" وذلك بمقر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في المدة من 26-28 رجب 1421ه شارك فيها خبراء ومتخصصون في أمور النقل من ألمانيا ومن أمريكا ومسؤولون من الداخل بهدف مناقشة نظام النقل العام في مدينة الرياض من حيث الوسائط والمرافق والأطر المؤسسية المناسبة لتطويره وإدارته واستثماره وإمكانية مشاركة القطاع الخاص في ذلك ، وكذلك بحث إمكانية تشييد مشروع تجريبي للنقل العام باستخدام أحد وسائطه المناسبة على أحد محاور المدينة أو في إحدى مناطقها وخلال تلك الورشة قدمت أوراق عمل إيجابية جداً وأثمرت هذه الورشة عن التوصيات التالية : -أن معدل النمو الذي تشهده مدينة الرياض يؤكد عدم تمكن نظام النقل الحالي على توفير احتياجات التنقل المتوقعة مستقبلاً ، وأنه لابد من وجود نظام نقل عام يساهم في سد احتياجات التنقل في مدينة الرياض كجزء من نظام نقل شامل . -أن نظام النقل العام القائم بمدينة الرياض يعاني من عدد من المشاكل تحول بينه وبين تأديته لدوره على الوجه المطلوب . -هناك حاجة لإعادة البنية المؤسسية الكفيلة بتطوير نظام النقل العام داخل مدينة الرياض وذلك لعدم تمكن الهياكل المؤسسية القائمة حالياً بالنهوض بمستوى خدمات النقل العام بمدينة الرياض إلى المستوى المطلوب . -ضرورة العمل على إنجاز دراسة مسهبة للبحث في البدائل المتاحة لتطوير نظام نقل عام آمن وفعال بمدينة الرياض ، بالإضافة إلى البحث في الهياكل المؤسسية المطلوبة لتشييد وتشغيل هذا النظام وكذلك البحث في إمكانية مشاركة القطاع الخاص في هذا المجال . هذه كانت أبرز التوصيات التي قدمتها تلك الورشة ... طبعاً عند الحديث عن النقل العام سواء في مدينة الرياض أو في غيرها من مدن المملكة الرئيسية يتساءل الجميع عن حلول هذه المشكلة التي حظيت بالكثير من الطرح والنقاش والدراسات والتي يأتي من أبرزها التقرير الذي نشر في جريدة الرياض بتاريخ 29/محرم 1429ه الذي خلص إلى أن وزارة النقل تدرس فكرة فك إلغاء احتكار شركة النقل الجماعي للنقل الداخلي، وتوقعات بزيادة حجم الاستثمارات في السوق إلى 40% وأن حجم سوق النقل في المملكة يزيد " آنذاك " عن 3 مليارات ريال في حال فتح باب المنافسة وأن إلغاء الاحتكار سيُدير في عجلة الاقتصاد السعودي 11،7 مليارا ..وأن وزارة النقل أكدت أنها تدرس فتح باب المنافسة على النقل داخل وبين المدن قبل انتهاء عقد الشركة السعودية للنقل الجماعي (( تم تجديد ذلك العقد فيما بعد بتاريخ 26/5/2008م لمدة خمس سنوات )) كذلك تصريح الدكتور عبدالعزيز العوهلي وكيل وزارة النقل الذي نشر في جريدة الرياض بتاريخ 21 شوال في عام 1429ه والذي أكد فيه أن وزارة النقل رفعت للمقام السامي الكريم دراسة لوضع الأطر والأسس لإيجاد نظام نقل عام مستدام وراقٍ ومتكامل. كما أنه في تاريخ 30/10/1427ه عقدت ندوة في معهد الإدارة العامة برعاية معالي وزير النقل بعنوان (( النقل العام داخل مدن المملكة )) أوصت هذه الندوة في ختام أعمالها بفك احتكار الخدمة والسماح لشركات متعددة للعمل في مجال النقل العام خاصة داخل المدن إضافة إلى دراسة أسباب عدم نجاح الشركة في النقل داخل المدن وخاصة الرئيسية . السؤال هنا ... وبعد هذه الندوات وهذه التقارير وهذه التصاريح.. وبعد مرور حوالي عشر سنوات على الورشة الجيدة التي عقدت في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.. ما هو حال وضع النقل العام داخل مدينة الرياض ؟! أين ثمار مثل هذه الدراسات وهذه الندوات وهذه الورش ؟ ما هي الفائدة من مثل هذه الورش وهذه الندوات وهذه الدراسات إذا لم تطبق على الواقع ؟! لماذا وزارة النقل صامتة عن حل هذه المشكلة إلى الآن ؟! أين حافلات شركة النقل الجماعي ؟ لما لا تسير حافلات من 25 راكباً ذات مستوى راق ؟ هل هذا القصور في هذه الخدمة ناتج عن صراع الإدارات المعنية بحل المشكلة ؟! أو بسبب تنازع الاختصاصات وتضارب المصالح الإدارية والمالية ؟! وبالتالي تعطلت الخدمة التي تفتقدها الرياض الجميلة، والضحية هم المحتاجون للخدمات !!