اختفت مفردة "الحنشل " و لله الحمد من قاموسنا الحياتي بفضل الحزم الأمني منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز إلى عهدنا الزاهر حاليا . فأصبح كل من يحاول العبث بحقوق الناس و السطو عليها بدون وجه حق يعرف الجزاء الرادع ويعرف ساحات العدل . و الحنشل لمن لا يعرفهم هم قطاع الطرق في البر و القراصنة في البحر . و لكن مع تطور الحياة العصرية لبس الحنشل ثيابا جديدة ساعدتهم على قطع الطريق بنعومة الروتين و الأنظمة التي يعرفها البيروقراطي و لا يوضحها للمراجع أو صاحب الحاجة, فأصبحت الحقوق تضيع بسد الطرق في وجه المراجعين و لكنها تحل بطرق سحرية من "الحنشل الجدد" . طبعا سيأتي من يتحدث بالفضيلة و ينكر وجودهم بين ظهراني المؤمنين , مع أن الواقع الإنساني يؤكد وجودهم كمرضى قلوب في كل مكان. لن أتحدث هنا عن "الحنشل الجدد" بالمطلق , ولكن أود الحديث عن "حنشل الإبداع ". فهؤلاء الحنشل عندما يطلبون تصورات إبداعية لمشاريع منها الاعلامي و منها الفني و منها التجاري و غيرها كثر , تكون في قرارة أنفسهم السطو على أفكار المتقدمين . وغالبا ما تعتمد المشاريع على الفكرة الإبداعية و التي تمثل مرتكز النجاح من عدمه . فلو كان طالب العروض الفنية و الإبداعية يعرف الحل لما طلب العروض و التصورات من الآخرين . و لكن بقدرة قادر يتم رفض التصور المقدم بأي حجة سواء كانت منطقية أو غير ذلك , و هذا الرفض حق مشروع في سوق العرض و الطلب . و لكنه غير مشروع للسرقة و السطو الفكري بحيث تتحول الفكرة الإبداعية المقدمة من "س" الى مشروع إبداعي ل "ص" و هو لا يملك من هذا الحق سوى علاقته بحنشل الإبداع إن لم يكن في الأصل منهم . و هنا بيت القصيد : من يحمي الأفكار الإبداعية من السرقة او النهب و هي غير مسجلة مثل براءة الاختراع او الاسم التجاري ؟ لا يوجد أي جواب يضمن الحقوق الإبداعية طالما أن الفكر و التفكير مشاع بين الناس , و كذلك عندما تصطدم برأي مؤسسي يقول للمبدع إن هذه الفكرة المقدمة منه هي في الأصل لدى الجهة طالبة العروض من قبل . و لكن هذا المسكين لا يعرف هذه المعلومة إلا بعد أن يرى تطبيق فكرته مشوهاً في الميدان . طبعا هناك بعض الحيل المساندة للحماية الفكرية و الإبداعية التي استخدمها أناس من قبلنا مثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك من يقوم بكتابة الفكرة الإبداعية بالتفصيل و يضعها في ظرف مغلق بالشمع الأحمر و يرسله المبدع على عنوانه الشخصي و بختم البريد الذي يوضح تاريخ الرسالة كوسيلة مساندة للحقوق . و هناك من يسجل الفكرة مع المكتبات المركزية او التجمعات المهنية و غيرها . المهم عندنا كيف نضمن حقوق المبدعين في المجالات الإنسانية و التي تظهر ابداعهم و تميزهم من حنشل المؤسسات؟ طبعا هناك من سيجادل بأن المؤسسات المختلفة ليست في مجال المنافسة مع المبدعين الذين يقدمون خدماتهم لها , و لكن الحقيقة في السجلات التجارية تناقض الوضع، والتي تكشف عن الارتباط التجاري لحنشل الأفكار معها . و مع تسليمنا بأن الأفكار المقدمة ليست ابداعية بطبيعتها نجد أنها لا تسلم من السطو الناعم. ومع تسليمنا ايضا بأن هناك أشباه مبدعين سيشاغلون الناس بمطالبات غير منطقية تؤكد أحقيتهم لفكرة مرت بخاطرهم ذات يوم وليست في الأصل من إبداعهم , غير أن هذا لا يبرر ضياع الحقوق الإبداعية . ما أدعو له هنا هو حتى " لا يموت الذيب و لا تفنى الغنم " بمعنى حفظ الحد الأدنى من الإبداع الوطني الذي بدأ يظهر من ملاك المؤسسات الوطنية الصغيرة في مجال التميز الإنساني . فهذه المؤسسات الصغيرة أصبحت هي عماد اقتصاد الخدمات الناجح . فكم من فكرة مميزة ضاعت او شوهت او تم السطو عليها لأن من تقدم بها لا يعدو عن كونه مؤسسة صغيرة لا شأن لها يذكر في المجتمع . و بالتالي " لا من شاف و لا من درى " . و بالرغم من هذه النظرة التشاؤمية سأعرج على جانب مشرق في مؤسساتنا الوطنية المختلفة و قياداتها و المتمثل في ثقافة حفظ حق الغير, بمعنى أن هناك من يعيد بعض " حنشل الإبداع " الى جادة الطريق بصفاء العقيدة و بحزم الأمن . و هي ثقافة تبشر بخير و تحفظ الكثير من الحقوق , لكنها لا تلغي وجود ثقافة الحنشل في طريق الإبداع . و لعل أهم المجالات التي نعيشها حاليا هي ثقافة التليفزيون التي بدأت تملأ حياتنا اليومية , و لكن مع الأسف الشديد لا يجد الإبداع السعودي طريقه في هذا المجال , و السبب في نظر بعض أصحاب الشأن أن الفكرة المقدمة للجان إجازة الإبداع و الإنتاج تبحر في ظلمات أدراجهم الى أن يقيّض لها الباري أحد الحماة من الحنشل او من يتبناها بعيدا عن ثقافة "الشرط أربعون ". طبعا أنا لم آت بهذا الحديث من عندي و لكن بتحليل بسيط لمحتوى ما يكتب في صحافة الفن و الإبداع أو ما يقال في مجالس اصحاب الشأن من الشركات و المؤسسات الصغرى يشعرك بأن الفكرة ملك للمبدع طالما هي حبيسة عقله ومكتبته . و إذا خرجت فهي في رحلة تيه تحتاج إلى حراس أمن لحمايتها . و إن كان الأمر كذلك فربما وزارة الثقافة و الإعلام تسعى مشكورة لنشر ثقافة حماية حق المبدع و الفنان , فلسان حال هؤلاء أصبح يقول " فيك الخصام وأنت الخصم و الحكم " .