أحسب أن بداخلي خليط متشابك من مشاعر مختلطة ومتداخلة وتأخذ كل أشكال التضادات ، والمتناقضات عن " نجد " كفضاء جغرافي مهيب، وملهم سخي إلى درجة الترف والبذخ ، شحيح إلى حد اليأس والوجع والتفتت ، تأخذ إيحاءاته الكائن إلى تخوم الدهشة والجنون، وتحمله حيث منابت النجوم ، وقوافل الغيمات المسافرة إلى مرافئ عشقها ووجدها ومن يحترق رغبة في فيئها، وخصبها ، وتثير في داخله مواويل الحب ، وأنات السهارى . " نجد " حالة تسكن القلب ، والروح ، والمشاعر . تبتعد عنها فيكون ذلك الحنين الجاذب الى أمكنة عشنا معها ، وامتزجت بأزمنة التأسيس ، والتحصيل ، ومحاولات الفهم ، وقراءة الممارسات والسلوكيات المتفوقة لجميل وبثينة ، وعروة وعفراء ، وكثير وعزة ، والمجنون وليلى ، وغيرهم من الذين احترفوا العشق كفضيلة تطهر النفس من كل أشكال التلوث الحياتي والمسلكي والتعاملي، وتحصن الكائن البشري من أمراض الحقد ، والحسد ، والكره ، وما هو عفن يمسخ الإنسان ، ويحيله إلى إشفاق. وإني لأرضى من بثينة بالذي لو أبصره الواشي لقرت بلابله بلا، وبألا أستطيع ، وبالمنى وبالأمل المرجو ، قد خاب آمله وبالنظرة العجلى ، وبالحول تنقضي أواخره لانلتقي ، وأوائله من هذه العلاقة مع " نجد " وفضاء صحرائها الممتد كسديم كوني ، فإن أي عمل أدبي ، أو تاريخي ، أوجغرافي عنها، أجد لدي المحرض الكافي- إن لم أقل الشغف- بقراءته ، وفهمه ، واقتنائه كثروة وقيمة تجعلان الفرح متواجدا بكثافة طاغية ومبهرة في النفس .بدءا من القصيدة الشعبية التي تعلمنا قيمتها من أستاذنا عبدالله بن خميس ، وحتى تفاعُلنا مع الاعمال والنصوص الرائعة التى ورثناها من الشعراء العذريين وغيرهم من العصر الجاهلي ، وحتى الجميل العاشق محمد الفهد العيسى . وقبل أيام وصلني كتاب أنيق ، يحمل وعيا ، وعبارة مموسقة أخاذة ، ولغة جميلة تشي بأن صاحبها معجون بتربة نجد ، عاشق لها، شدني إلى الكتاب عنوانه المختار بعناية فائقة " مشاعر مدفونة في صحراء نجد " ومؤلفه د. أحمد الطويل . الذي أعتقد أنه يعرف جيدا " قرى الملقى " وشعب صفار" و" مهدية " ويعرف " خاشر " و" ذيك اللياحي " . أعترف أنني لم أقرأ للطويل قبل هذا الكتاب ، وهذا إما أن يكون كسلا مني في المتابعة ، وإما أن الرجل مقل بحيث يبخل في إشاعة هذه اللغة الجميلة ، والمفردة الواعية . غير أني أرجح وهذا خطأ مني أن متابعتي لم تكن جيدة بالقدر الكافي؛ الأمر الذي أفقدني التفاعل والتواصل مع قلم تنويري جيد في نجد . أحتفي كثيرا بهذا الإصدار المتميز ، وربما تكون لي قراءة له في القادم من الزوايا .