أنهى أمس الحزب الجزائري العتيد حزب جبهة التحرير الوطني الذي قاد البلاد إلى الاستقلال عام 1962 وحكمها إلى غاية إقرار التعددية السياسية والحزبية عام 1989 ، أنهى أزمة شرعية استمرت قرابة العشر سنوات بعد نجاحه في عقد مؤتمره التاسع الذي انتهت أشغاله أمس الأحد بانتخاب عبدالعزيز بلخادم أمينا عاما لفترة ثانية ، وتجاوز صراعات داخلية رهّلت الحزب وقسمته إلى جناحين متصارعين كانت رئاسيات عام 2004 السبب المباشر في اندلاعها على خلفية انقسام قيادات الحزب بين مؤيد ومعارض لتولي الغريمين الشهيرين عبدالعزيز بوتفليقة وعلي بن فليس مقاليد الحكم آنذاك. و خلافا لبقية الأحزاب الجزائرية تظل المؤتمرات التي تعقدها جبهة التحرير الحدث السياسي المحلي الأكبر في البلاد الذي يستقطب اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية من داخل البلاد وخارجها ، فهو الحزب الذي يحوز غالبية المقاعد في المجلسين التشريعيين و يتولى رئاسته الشرفية الرئيس بوتفليقة نفسه وتتولى قيادات فيه المناصب الدبلوماسية خارج البلاد والمناصب الوزارية داخلها فضلا عن تشبث قياداته ومناضليه وهم في غالبيتهم من المجاهدين أي قدماء المحاربين ومن أبناء المجاهدين والشهداء بما يسمىّ ب "الشرعية الثورية" التي تشرّع لهم أبواب الامتيازات والمعاملات التفضيلية ، وهي الشرعية الثورية التي كان الرئيس بوتفليقة دعا فيما سبق في خطاب للأمة عام 2007 إلى إنهاء العمل بها وجدد ذلك في الرسالة التي بعث بها إلى المؤتمر التاسع الحالي عندما رافع من أجل "التفتح على الأجيال الصاعدة " و " تشبيب أطر النضال " و ظل الجزائريون يتابعون باهتمام كبير مسلسل العاصفة السياسية التي هزّت أركان الحزب منذ انشطرت قياداته ما بين مؤيد لترشح بوتفليقة لرئاسيات 2004 و مناوئ له ، بعد بروز اسم علي بن فليس ، الأمين العام للحزب آنذاك والذي تم الطعن في نتائجه بواسطة حركة تصحيحية قادها عبدالعزيز بلخادم وزير الخارجية آنذاك، أوصلت الرفقاء الفرقاء إلى العدالة التي حكمت بعدم شرعية المؤتمر الثامن لحزب جبهة التحرير و بطلان جميع النشاطات الحزبية التي تلته وتجميد كل الحسابات المصرفية ، و ظل الصراع متأججا داخل بيت "الحزب العتيد" كما ينعت في الجزائر رغم تنظيم ما سمي ب " المؤتمر الجامع " الذي دعا إليه بلخادم لجمع الشمل و لملمة الصفوف ورفضه علي بن فليس بل اعتبره انقلابا عليه و على شرعيته ما أدى إلى إعلان الرجل استقالته وقرار اعتزاله السياسة بالأخص بعد النتائج الهزيلة التي حققها في رئاسيات الثامن أبريل 2004 و حصوله على نسبة 6.42 % مقابل 83.99 % من الأصوات التي حصدها غريمه عبد العزيز بوتفليقة.