** أصبحت السياسة..بأهدافها..ومبادئها..تشكل تهمة يحرص الكثيرون على التبرؤ منها..وعدم الانتماء إليها..فضلاً عن الاعتراف باعتناق مبادئها والعمل على تطبيقها.. ** والأعجب من هذا.. ** أن تكون هذه ''البراءة‘‘ رديفاً ''للنزاهة‘‘ وعلامة فارقة على سلامة مسار الإنسان..ورجاحة تفكيره.. ** والأغرب من ذلك.. ** أن تتبنى هذا النوع من التفكير..دول كبيرة..ودول منزهة من كل الشوائب والشكوك.. ** دول ظل سجلها ناصعاً ومنهجها السياسي واضحاً وكريماً.. ** وفي مقدمة هذه الدول..المملكة العربية السعودية..بكل ما اتصفت به سياساتها من توازن..واعتدال..وموضوعية..وتعاون صادق مع دول العالم ومنظماته.. ** فنحن في هذه البلاد نؤمن بسياسة الاحترام المتبادل..وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.. ** ونؤمن أيضاً بالتعاون القائم على المصالح المشتركة..وتبادل المنافع وتكاملها.. ** لكن هذه المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية..لا تحرِّم- في الواقع- مبدأ خدمة السياسة لمصالح الدول لدى الدول الأخرى.. ** كما أنها لا تحرم مبدأ التعاون المتبادل..إن هي لم تحض عليه..لأنه لا توجد دولة واحدة في العالم تستغني عن الدول الأخرى..مهما بلغت من القوة..والقدرة..والنمو..والتطور..والكفاية الإنتاجية.. ** لكن ما يحدث لدينا.. ** هو أننا نبخس أنفسنا حقها في التعامل مع الدول الأخرى على تلك الأسس التي تخدم مصالحنا بكل الطرق والأساليب والآليات المتبعة في العلاقات القائمة بين الدول.. ** وعندما يصرح معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم لصحيفة الوطن الصادرة يوم الثلاثاء الماضي ''أن مبادرة الملك للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني في الخارج ليس لها أي أبعاد سياسية..وأنها لا تستهدف تحقيق الأمن الغذائي لها فقط..وإنما تهدف إلى المساهمة أيضاً في تنمية زراعية في الدول المستضيفة وفي تحقيق الأمن الغذائي العالمي‘‘..فإنه يجسد بذلك حالة التبرؤ بين الربط بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي..مع أن مصالح الدول المشتركة لا تقيم حدوداً فاصلة بين ما هو سياسي واقتصادي وأمني..بل تحرص أن توظف كلاً منها لخدمة الآخر.. ** وإلا فما الخطأ في أن يكون الهدف من توجه استثماراتنا الزراعية وغيرها إلى إفريقيا..أو إلى أي مكان في العالم..سياسي وتنموي في آن واحد..وذلك وفقاً لمصالح الطرفين المشتركة..والتأسيس لعلاقات تقوم على أساس مبدأ الاعتماد المتبادل..وخدمة كل منا لمصالح الطرف الآخر والحرص عليها.. ** فنحن عندما نسهم في تنمية السودان وأثيوبيا أو غيرهما..فإننا نحقق بذلك مصلحة مشتركة لبلدنا وللبلدين العزيزين، وبالتالي فإن من واجب هذين البلدين أن يقدرا توجهنا هذا وأن يقابلاه بما يستحق..وأن تكون لنا ميزات الأفضلية في التعامل..وفي التعاون..والتشاور والتنسيق على كل المستويات بحكم ترابط مصالحنا مع بعضنا البعض.. ** وكلام الوزير نفسه..بأن توجهنا نحو الاستثمار الزراعي في الدول الأخرى يهدف إلى المساهمة في تنمية تلك الدول، هو في حد ذاته هدف سياسي من الدرجة الأولى، فلماذا نتبرأ مما يجب أن نعتز به..ونؤكد عليه..ونصر على أن نحقق من ورائه مصالح حقيقية..بدلاً من نموذج المثالية السياسية الذي لم يعد علينا بأي عائد.. ** ولا أعتقد أن دولة في هذا العالم..تقدم دولاراً واحداً كمساعدة لدولة أخرى أو تعطي فرصة استثمارية لشركة أجنبية..أو تدرب أبناء هذه الدولة أو تلك..أو تعطيهم منحاً دراسية معينة..أو تفتح لهم أبواب العمل فيها..لا أعتقد أن كل ذلك يتم دون أن تقابله مصالح أكبر..تتراوح بين رفع مستوى التعاون والتشاور والتنسيق بين تلكما الدولتين وبين إقامة العديد من القواعد العسكرية..وتبادل المعلومات الاستخبارية الموسع..وبناء شراكات عريضة بينهما على كل المستويات.. ** لا أعتقد بهذا فقط. بل إنني أجزم بأن ذلك هو الذي يحدث..وأنه لا يجب علينا إنكاره..لأن مفاهيم السيادة في ظل مبدأ سياسة الاعتماد المتبادل..قد تغيرت بصورة جذرية.وأن العالم أصبح وحدة فكرية وسياسية واقتصادية وأمنية عضوية..وأن غير ذلك يعتبر سذاجة وتبسيطاً لا مبرر لهما في العلاقات الدولية الإيجابية بين دول العالم وشعوبه. ضمير مستتر: ** [ من حق الدول أن تحصل على المقابل المجزي..في ظل علاقات الصداقة والتعاون المفتوحين ]