هناك أخبار مستمرة عن حالات قتلى على الحدود الباكستانية مع أفغانستان جراء غارات تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار والتي يوجهها خبراء أمريكيون عن بعد وتستهدف منذ سنوات عناصر طالبان وأعضاء شبكة القاعدة. وغالبا ما تقتل الغارات مقاتلين بسطاء ومدنيين يتصادف دخولهم خط النار. غير أن هذه الطائرات أصابت مؤخرا أهدافها الأصلية ألا وهي قيادات في القاعدة وطالبان حيث قتل القيادي البارز في طالبان بيعة الله محسود خلال إحدى هذه الغارات. كما تبين الآن أن قياديا بشبكة القاعدة قتل على ما يبدو ضمن إحدى هذه الغارات مطلع مارس الجاري. هذه أخبار طيبة بلا شك للأمريكيين حيث استمرت هذه الغارات التي بدأت عام 2004 حسب مدير وكالة المخابرات الأمريكية «سي أي ايه» ليون بانيتا في تضييق الخناق على قيادات القاعدة مما يقلص قدرتهم على وضع خطط دقيقة لهجمات ضد القوات الدولية في أفغانستان. وأكد بانيتا في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الخميس استمرار الحملة التي تشارك فيها سي آي ايه مما يقلق القاعدة بشكل بالغ. غير أن هذه الهجمات مثار جدل في باكستان حيث يرى فيها البعض انتهاكا لسيادة الدولة. كما تقابل الاعتداءات التي تطال مدنيين بانتقادات لاذعة. وعن ذلك قال الباكستاني خايستا خان الذي يعيش مع أسرته في مدينة ميران شاه التي تعتبر أكبر مدينة بإقليم وزيرستان الشمالية:»الجميع خائفون لأن الصواريخ يمكن أن تسقط في أي مكان». وأكد خان أن هذه الطائرات كانت تحلق فوق مدينة ميران شاه قبل عامين بواقع طائرة كل يوم بحد أقصى «ولكني اكتشفت أن عدد هذه الغارات وصل مؤخرا إلى عشر غارات يوميا». أضاف خان البالغ من العمر 42 عاما أن هذا التحليق الدائم لهذه الطائرات الحربية «كانه سلاح موضوع على رأسك بشكل دائم، أثناء العمل، وأثناء الأكل، وأثناء اللعب مع الأطفال، وأثناء النوم، من الصعب التعامل مع هذا الوضع». ولكن هناك أيضا موافقة على هذه الغارات في هذه المنطقة التي تعتبر من معاقل طالبان شمال غرب باكستان حيث يرى شين جول الذي يعيش هو الآخر في ميران شاه أن غارات الطائرات الزنانة «أفضل من الحملات البرية لأن المدنيين يعانون تلقائيا بمجرد دخول الجنود منطقتهم، عندها يحدث المزيد من الدمار وتنقلب الحياة اليومية رأسا على عقب.. كما أن الصاروخ يستهدف المتشددين». بل إن الشاب جول (29 عاما) يذهب خطوة أخرى في تأييد هذه الغارات قائلا:»تعطينا الطائرات الزنانة إحساسا بأن هناك شخصا يقوم بشيء ضد هؤلاء الناس الذين يقتلون أبرياء باسم الإسلام». ويعترف شين جول بأن بعض المدنيين يقتلون أثناء هذه الغارات أيضا ولكنه يقول إن المسئول عن تصعيد العنف في المنطقة هم الإسلاميون المتشددون. ويضم الصحفي ناصر دوار الذي كان مراسلا في وزيرستان الشمالية على مدى وقت طويل صوته إلى صوت شين جول قائلا:»غالبا ما يكون هناك أطفال ونساء بين قتلى الغارات ولكن غالبا ما يكون هؤلاء القتلى من أهالي مقاتلي طالبان أو القاعدة». وحللت دراسة لمؤسسة «نيو أمريكا فاونديشن» الأمريكية المحافظة 120 غارة نفذتها القوات الأمريكية بهذه الطائرات التي توجه عن بعد في الفترة من 2004 حتى .2010 وخلصت الدراسة إلى أن ثلثي قتلى هذه الغارات البالغ عددها 1262 كانوا «مقاتلين». ولكن الحكومة الباكستانية تفضل تجاهل أمر هذه الغارات وعدم التطرق إليها وإن كان مجمل القراءة الرسمية لها يتلخص في إدانتها. ومع ذلك فإن القيادة السياسية والعسكرية تحاط علما بهذه الغارات. بل إن باكستان تزود المخابرات الأمريكية بالمعلومات الأساسية التي تشن على أساسها هذه الغارات وذلك حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز. وقال خبير أمني باكستاني فضل عدم الكشف عن اسمه إن هناك تنسيقا واضحا لهذه الغارات وأن إسلام أباد أعطت الضوء الأخضر لشن مثل هذه الغارات على معاقل طالبان والقاعدة مع تجنب إقليم بلوشستان غرب أفغانستان والذي يقال إن الملا عمر قائد طالبان يختفي هو وأتباعه فيه. ورغم هذه التكهنات فمن الثابت أن الأمريكان وسعوا عملياتهم العسكرية في باكستان حيث تشير بيانات مؤسسة نيو أمريكا أن الجيش الأمريكي نفذ 24 غارة منذ مطلع العام الجاري وحتى الآن مقارنة ب 53 غارة على مدى العام الماضي كله. أصبح برنامج الطائرات الزنانة جزءا أساسيا ضمن الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة الإرهاب خاصة في عهد بانيتا مدير وكالة المخابرات الأمريكية «سي أي ايه». وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن البيت الأبيض سارع الخريف الماضي إلى تلبية رغبة بانيات مضاعفة هذه الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد من 7 إلى 14 طائرة.