مما لاشك فيه أن الشريعة الإسلامية جاءت بالمساواة بين الرجل و المرأة في الحقوق والواجبات فلكل واحد منهما واجبات والتزامات تجاه الآخر، ومن أبرز هذه الحقوق التي تساوى فيها المرأة مع الرجل حق التقاضي، ورفع الدعوى أمام المحاكم بطلب إحسان المعاشرة أو طلب الحضانة أو التطليق أو طلب النفقة، فقد توافرت النصوص الشرعية التي تبين حق المرأة في التقاضي ورفع الدعوى لأجل ذلك، وأنه لا يعيبها ولا ينقص من قدرها إذا رفعت شكايتها إلى الحاكم للفصل فيها، ومن تلك النصوص قوله تعالى (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) و هذه الآية فيها دلالة عظيمة على أنه يحق لأي من الزوجين أن يرفع شكايته للقاضي أو لمن له القدرة على الإصلاح، والذي بدوره يبعث حكمين كما جاء في الآية، وقصة حبيبة بنت سهل امرأة ثابت بن قيس حين أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت (يا رسول الله، ثابت بن قيس لا أعيب عليه لا في خلق و لا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتردين عليه حديقته). قالت: نعم، فقال رسول الله (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة) ، فهذا الحديث فيه دلالة واضحة على أحقية المرأة في رفع شكواها للحكام، فامرأة ثابت بن قيس لما خشيت على نفسها عدم القيام بحقوق زوجها، رفعت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فحكم بأن ترد المهر لثابت، وطلقها تطليقة "خلعاً" . ومن الأمور المتعلقة بالدعوى القضائية أداء الشهادة، فللمرأة الحق في الإدلاء بشهادتها عند طلبها، ولا يعيبها ذلك، قال تعالى (و استشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان) وبين سبحانه الحكمة في كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى). ولما أقرت الشريعة لها الحضانة، كان لها كذلك الحق في الولاية على أموال أولادها القصر بعد وفاة والدهم، في حالة عدم ايصائه بمن يكون ولياً عليهم من بعده، وذلك يتأتى لها متى تحققت فيها الشروط، وبعض القضاة يفضل إقامة الأم ولية على أولادها القصر لكونها أشفق وأرحم بهم وأدرى بمصالحهم. ومن الأمور التي تهاب كثير من النساء رفعها أمام القضاء، القضايا المتعلقة بعضل الأولياء، و ممانعتهم من تزويجهن ممن يتقدم لخطبتهن، في ممارسة من الأولياء أساسها التعنت والظلم والعدوان دون وجه حق، ودون مبالاة من ذلك الولي بما قد بلغته من سنين انتظارها، لكن الشرع المطهر أعطاها حق رفع الدعوى ضد وليها أمام القضاء، وأروقة القضاء تشهد مثل هذه الدعاوى بين الحين والآخر، وليس في عقوق أو خروج عن الأدب والأعراف فهي تطالب بحق مشرع لها. * من كتيب (حق المرأة في التقاضي) من جمع وإعداد فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الصائغ. بإشراف إدارة الإعلام والنشر في وزارة العدل.