التقيت بها في مكان ما، سألتني عن جدة، عن الناس في رمضان، عن بهجة الأعياد وزحمة مدن الملاهي، ثم حكت لي بعد ذلك أنها هربت من أسرتها أثناء رحلة لهم خارج المملكة تاركة لهم كلمتين "لن أعود"، شعرت بحزنها فسألتها: لو عاد الزمن عشر سنوات هل ستهربين؟ ردت بسرعة: أنا عملت في كل مهنة رغبت بها، عملت نادلة مثلاً، وكوفيرة، وسكرتيرة، وانتهيت أمينة مكتبة كبيرة، أحببت وتزوجت من أحب، قلت: أنا سؤالي واضح، لو عاد الزمن هل ستهربين؟ صمتت، ثم ردت بهدوء: لن أفعل، اكتشفت أن الهرب ليس حلاً، لكنني أوقن في داخلي أن الصمت والرضا بالتعامل اللاإنساني هو موت آخر، إن هؤلاء الفتيات اللواتي يهربن اليوم وينتهين في استراحات حيث يتم استغلالهن، أو في السجون عبر تدبير قضايا عقوق، أو إلى أحضان دولة تستغل قصصهن للإساءة إلى المملكة العربية السعودية، لن يكون حل قضيتهن إحكام إقفال الباب ورمي المفتاح في البحر، لا شك أن ذلك لن يفيد، والحل يكمن في الاستماع لمطالبهن وتحقيقها وفق ما ترتضيه الشريعة الإسلامية، وخاصة أنها أي الشريعة هي من كفل للمسلم، رجلاً كان أو امرأة، حماية ماله وعرضه ودينه وعقله ودمه، وهؤلاء الفتيات تراق دماؤهن بسبب العنف الأسري الذي لم يجد من يوقفه حتى اليوم، وتُؤخذ أموالهن ويُتجاوز حقهن فيها ، كما يتم إرغامها على الزواج أو عضلها، وهو ما لم يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، فما المسوغ للتغاضي عنه اليوم والشرع حافل بالمواقف التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً للقاضي المتفهم، ومنها قضاؤه في زوجة ثابت بن قيس، وهو أحد المبشرين بالجنة، جاء في البخاري، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟) قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة). هل لو حدثت هذه القصة الآن ستحل القضية في ثلاث دقائق، أم سيقال إن هذه المرأة مجنونة؟ وما تفهم كيف ترفض مثل هذا الرجل، ثم تطالب بالصبر وتجبر على الحياة معه، وعندها إما ستنتحر أو ستهرب ببساطة!