في كل مرة يضعنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله كمواطنين وكأمة أمام منعطف جديد ، نتبوأ فيه أعلى المراتب بين أمم الأرض ، ونحتل به ومن خلاله قصب السبق في ميادين كانت لنا فيها الريادة الأولى ، حينما كانت حضارتنا مصدر الإلهام في مختلف الثقافات والعلوم ، والإعلان الذي أطلقه مؤخرا صاحب السمو الملكي الأمير : متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز .. نائب رئيس الحرس الوطني للشئون التنفيذية حول إقرار المقام السامي الكريم جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للتراث ، وجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للثقافة ، وبواقع مليون ريال لكل فرع ابتداء من العام القادم .. هو تتويج حقيقي لمسيرة امتدت على مسافة ربع قرن في خدمة التراث والثقافة عبر مهرجان الجنادرية ، والذي أصبح بفضل الرعاية الكريمة منارة من منارات الإشعاع الحضاري ، وسمة مميزة للبناء في عقل الإنسان وفكره ، على مستوى الثقافة ، وسمة مميزة أيضا فيما يتصل بتأصيل التراث وتعزيز حضوره أمام معطيات الواقع . ونتيجة لإيمانه العميق والمبكر بأهمية الثقافة والتراث في بناء أمجاد الأمة وصناعة تاريخها على أسس متينة .. فقد استطاع عبدالله بن عبد العزيز وفي سابقة هي الأولى من نوعها أن يحقق مشاعية الثقافة ورعاية التراث والفنون على مستوى الوطن ، منذ أن بادر إلى مأسسة العمل الثقافي من داخل المؤسسة العسكرية في الحرس الوطني ، حينما أسس لمهرجان الجنادرية العام 1985 م أي قبل 25 عاما .. متجاوزا كل الرؤى الضيقة التي تجعل من هذا النشاط عملا نخبويا ، ليجعله بالنتيجة متاحا في خدمة الجميع ، وليس أدل على ذلك ، مما تحقق لهذا المهرجان من موقعية فريدة على مستوى الوطن العربي والعالمي حيث بات يشكل في أحد وجوهه مكتبة المعارف العملاقة ، ومنبر الفكر المتجدد ، مثلما أصبح في وجه آخر متحفا متحركا للتراث الذي يربط الماضي بالحاضر ، ويؤصل لتاريخ هذه الأمة بكثير من الوعي والمسئولية . واليوم ليس هنالك ما هو أجمل من أن يتزامن اليوبيل الفضي لهذا المهرجان العتيد .. مع هذه الجائزة العالمية التي جاءت لتجسد رؤية الملك الزعيم للثقافة والتراث كأطر إنسانية ، على اعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن ، وأن المكتسب الثقافي هو مكتسب تراكمي وأممي من شأنه أن يختزل المسافات بين الثقافات والشعوب ، وكأنما أراد أن تكون هذه الجائزة العالمية متممة لمشروعه الكبير في حوار الحضارات ، من منطلق أن قيم الوعي هي وحدها المؤهلة لمد الجسور بين الأمم ، وترويض نوازع الصراعات فيها . وكسعوديين من حقنا أن نفاخر بمثل هذه الخطوات الجبارة .. ليس لأنها ستنقل الجنادرية كمهرجان ثقافي إلى العالمية ، لأن المهرجان حقق حضوره العالمي منذ أن أثبت حضوره كخابية ثرية لفكرنا وحضارتنا وتراثنا وثقافتنا الإسلامية الأصيلة ، واهتمام الكثير من الباحثين من الشرق والغرب بهذا المهرجان وفعالياته ومنجزاته يؤكد هذه الحقيقة ، وإنما لأن هذه الجائزة بفضائها العالمي ستفتح أمامنا أفقا جديدا للمنافسة بين الثقافات وتراثات الأمم الأخرى كأنداد لا كمستهلكين ، وهي خطوة لا تستقيم إلا لمن هو في مستوى زعامة عبدالله بن عبدالعزيز ، وبعد نظره ، وهو الذي استنبت حلمه التعليمي الكبير على مدى ربع قرن ، وحين استوى على سوقه بزغت من ورائه جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كبيت للحكمة نضاهي به العالم ، وهاهو الآن وبنفس الآلية الهادئة التي تؤسس للمشاريع العملاقة وفق شروطها الموضوعية يكلل حصاد ربع قرن من انجازات الجنادرية بهذه الجائزة الحلم .. في وطن تحول بفضل قيادته الواعية ، وحكومته المخلصة إلى مدرج جامعي تتفاعل خلاله قوافل الجامعات المتلاحقة ، مع وفود البعثات الجامعية الهائلة في برنامج علمي طموح ، يتساوق بتناغم فريد مع معطيات البناء الأخرى ، لينجز للوطن وللأمة في سنوات ما لا يتحقق في عقود . * مدير جامعة حائل