انقلبت الوعود الانتخابية التي أطلقتها الحكومة اليونانية الحالية الى كوابيس عكسية، ففرضت حكومة باباندريو ضرائب على المحروقات والتبغ ورفعت سن المعاش بمقدار سنتين وخفضت معدل الانفاق الحكومي على المشاريع والخدمات العامة، الأمر الذي أدى الى تظاهر الفلاحين وإغلاقهم للطرق مطالبين بالدعم الحكومي، وإلى تنظيم العمال في سائر المصالح لاضراب يوم العاشر من فبراير الجاري. فبعد سنوات من التبذير والاسراف عاشتها اليونان واستضافت خلالها دورة الألعاب الأوليمبية عام 2004م وجدت حكومة باباندريو نفسها في مأزق بعد فحص شامل لصحة الاقتصاد اليوناني أدركت من خلاله أن قيمة الدين الحكومي بلغت مستوى يتجاوز 120% من قيمة الناتج العام، وبالتالي فإن مستوى العجز في الميزانية العامة للدولة يتجاوز أضعاف الحد المسموح وفقاً لأنظمة الوحدة النقدية الأوروبية، واستتبع ذلك تخفيض التصنيف الائتماني للقروض السيادية اليونانية بشكل بات يذكرنا بالأزمة العالمية التي بدأت في الولاياتالمتحدة وما زلنا نسأل أنفسنا عن نتيجتها هل انتهت الأزمة؟ وأظن أن الإجابة في اليونان. السؤال التالي هل ستقف الأزمة عند حدود الاقتصاد اليوناني ام ستكون انفلونزا خنازير اوروبية اقتصادية تنتقل عدواها لمجموعة لباقي أعضاء الدول الخمس البرتغال وايرلندا وايطاليا واسبانيا، والتي يطلق عليها اصطلاحاً PIIGS وهي الحروف الأولى من أسماء الدول الخمس وتشبه هجائيا لفظ خنازير باللغة الانجليزية. والجهة الأقدر على الإجابة هي الاتحاد الأوروبي نفسه الذي يدرس إمكانية منح اليونان مساعدات مالية لتجاوز هذه الأزمة، الأمر الذي قد يؤدي الى تقدم البرتغال واسبانيا بطلبات مساعدة مشابهة نظراً لان اقتصاداتها تواجه تحديات قريبة من تلك التي تواجهها اليونان، واحتمال معارضة قوية من الدول الأكثر ثراء وأثقل وزناً في الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا فيما يسمى بالمواجهة بين دول الشمال الغني والجنوب الفقير، وربما جاءت المساعدة من جهات أخرى خارج الاتحاد مثل صندوق النقد الدولي. السؤال الأكبر هو عن عدم اتخاذ الاتحاد إجراءات أكثر صرامة مع اليونان مثل تغريمه النسبة القانونية المتفق عليها وهي نصف بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتجاوز معدلات العجز والدين العام، أو إخراج اليونان بشكل كامل من الاتحاد نتيجة لعدم إتباع السياسة النقدية الأوروبية، ويعتقد مراقبون أن وجود دول أخرى ضمن دائرة الأزمة هو الذي جعل الاتحاد يحجم عن هذه الخيارات، بالإضافة إلى أن نسبة المصارف الألمانية وحدها في الديون اليونانية تزيد على 15% من إجمالي الناتج المحلي الألماني. وحتى تصل الحكومة اليونانية والاتحاد الأوروبي الى اتفاق، ننتظر إفصاح المؤسسات المالية في منطقتنا عن حجم وطبيعة تعرضها لأزمة الاقتصاد اليوناني وانعكاسات هذا على اقتصاد منطقتنا التي مازالت تعاني من أزمة أمريكا.