بعد غزو الهواتف المحمولة المزودة بكاميرا تصوير؛ أصبحت الكاميرا في متناول جميع شرائح وفئات المجتمع، وفجأة اكتشف بعض الناس مواهبهم في التصوير، فانطلقوا يصورون أي شيء وكل شيء حتى وصل الحد عند بعضهم إلى تتبع عورات الناس وانتهاك خصوصياتهم، كما لا يخفى على الجميع انتشار الفضائح والأكاذيب مما جعل المواطن العادي يخشى من أن تلتقط له صورة في أي مكان خاص أو عام وفي أي وضع، للتندر والتفكه بين الأصحاب المراهقين عمريا وفكريا, فنشأ مؤخراً عداء خفي بين بعض الناس والكاميرا، وذهب ضحية هذا العداء الفنانون الفوتوغرافيون الحقيقيون حتى إذا ما أراد أحدهم حمل كاميرته الاحترافية لتصوير الأماكن السياحية وإظهار معالم حضارة بلدنا فهو معرّض لأمر من ثلاثة.. إما أن يرمقه البعض بنظرات استهجان بخاصة إذا وقف منبعجا لاتخاذ زاوية مميزة، أو ينهالون عليه بوابل من الأسئلة المتطفلة، أو في أسوأ الأحوال يتهمونه بتصوير عائلاتهم البعيدة عن مرمى عدسته، فيضايقونه بدعوى أن (المجتمع السعودي له خصوصيته) ناهيك عما قد يواجهه من مساءلة أمنية في بعض الأحيان. ما يحزنني أن أجد المصورين في الخارج يتجولون بكاميراتهم بكل أريحية حتى أنهم ينبطحون أرضا لاتخاذ زاوية غير تقليدية؛ في حين أن المصور في بلادنا يجد صعوبة في مجرد حمل كاميرته في الأماكن العامة. نحن نحترم خصوصية مجتمعنا المحافظ ونغار على حرماتنا؛ ولكن خصوصية المجتمع السعودي برأيي يجب ألا تتعارض مع خصوصية المواطن السعودي (الفنان) في ممارسة هواياته بحرّية (الحرية المنضبطة). أصبحت الصورة اليوم ثقافة وفكراً واقتصاداً وإعلاماً ووطنية ودعوة إلى الله بعد أن كانت من المحرمات التي انطبعت في وجدان الصغار والكبار، وتغني عن ألف كلمة لأنها لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. ومن واجبنا كفوتوغرافيين ومسؤولين وتربويين وإعلامين نشر ثقافة الصورة الفنية المعبرة ونشرها في الشوارع والمدارس والمكاتب والمرافق العامة لغرس الفضائل والآداب وتهذيب أذواق وسلوكيات النشء. ومن خلال التشجيع على المسابقات والرحلات الجماعية والنشاطات الفوتوغرافية وإقامة المعارض في الأسواق العامة. ثقافة الصورة تعني ثقافة الجمال بشموليته الواسعة في الهيئة والشكل والألوان والعلاقات والمأكل والمشرب الذي يجب أن تربى عليه الأجيال. التصوير فن يعكس الحياة بكل جوانبها ويعكس حضارة الشعوب.. ساعدونا لنعكس ثقافة شعبنا كما يجب أن تكون.