بداية أدعو الله العلي القدير أن يغفر لوالدتي ويسكنها فسيح جناته، وأن يكتب لنا العون للبر بها، حتى بعد مماتها، فقد سهرت، وتعبت، وواجهت ما واجهت من أجلنا، وكان كل همها أن تكون تربيتنا على المنهج القويم، وبما يرضي رب العباد جل شأنه، الذي اسأله أن يجعل مكانها في الفردوس الأعلى، وأن يتقبلها القبول الحسن. لقد كان في كل خطوة لها منهج تعليمي نأخذ به في حياتنا، ثم إن مماتها - رحمها الله - أعطاني صورة ناصعة البياض، عن هذا الوطن المعطاء المملوء برجاله الأوفياء، أصحاب المواقف الرجولية، وعلى رأسهم أمير الوفاء والرجل الشهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله - الذي تفضل علينا بمواساتنا في والدتنا، وكان أباً حنوناً، وفياً، وقائداً مخلصاً، يتلبسه الحرص على أبنائه المواطنين، بالوقوف معهم في السراء والضراء، وهذا أمر اعتاده الجميع من هذا الرمز الذي سيظل قدوة وصاحب منهج نتعلم منه، ونسير على خطاه، التي بلاشك ستحملنا إلى أفضل المواقع، وستجعلنا نتحلى بأروع الفضائل. الحمد الله الذي أسبغ على بلاد الحرمين الشريفين كثيرا من النعم، ومنها الرجال الأوفياء على امتداد الوطن العربي، فكثر من تركوا مشاغلهم وتحملوا عناء السفر، ومشقة تزاحم الأعمال والأشغال، وجاءوا إلينا معزين في فقيدتنا الغالية، يدفعهم فقط الوفاء والمحبة التي نعاهدهم أن نظل نبادلهم إياها، فقد علمنا ديننا الحنيف ذلك، فأنا وإخوتي حظينا، وبكثير من الفخر والاعتزاز، بمشاعر محبة من أناس كثر، كانوا حاضرين بكل الوسائل المتاحة معنا في يوم العزاء، في والدتنا، وهو أمر لم ولن نستغربه من رجال تحلوا بأفضل الصفات واسماها، وعرفوا بتواجدهم إلى جانب الجميع انطلاقاً من سمو أخلاقهم وحسن ذاتهم، فهناك كثير ممن نعلم بارتباطهم بمشاغل عدة ومختلفة سواء داخل البلد أو خارجه، ولكن لم يتأخروا وجداناً، وليس وقتاً في مشاركتنا عزائنا في والدتنا (رحمها الله رحمةً واسعة وأسكنها فسيح جناته، ووفقنا للبر بها حتى بعد وافتها)، ولعل مما كان سبباً رئيساً في تخفيف مصابنا عنا هو الشعور الصادق الذي لمسناه من الكثيرين، منذ اليوم الأول الذي بلغهم فيه وفاة الوالدة رحمها الله، إذ لم يركنوا لوسائل التواصل الحديثة في الوقوف معنا في مصابنا الجلل، بل جاءوا وتكبدوا عناء السفر من أماكن بعيدة، وأبدوا حزناً كبيراً على فقد العزيزة الغالية، رحمة الله عليها، وبالصورة ندرك فيها صفاء قلوبهم، ونقاءها وصدقها، فلقد أكرمنا كثيراً بمشاعر هؤلاء الناس، وبتنا محرجين كثيراً فقد حملونا أمانة الوفاء لهم، وعلى رأسهم رمز الوفاء وعنوانه.. ورجل الهمة والعزيمة.. ومقر الهامة ورفعتها.. سلمان الرجولة.. ورجل العطاء ومنبع الوفاء.. وصاحب القلب السخي في فيض مشاعره. اسأل الله العلي القدير أن يغفر لوالدتنا وأن يسكنها فسيح جناته وأن يجعل منزلها في الفردوس الأعلى، وأن يجمعنا وإياها في جنات النعيم، وأن يغفر لموتى المسلمين، وأن يجزي كل من تحمل العناء والمشقة وبادر بالعزاء في المرحومة وبكافة الوسائل عنا كل خير وأن يكتب له الأجر والثواب، وأن يغفر لموتانا وموتاهم هو القادر على ذلك جل شأنه. "إنا لله وإنا إليه راجعون"