أم سعود تبدأ يومها باكراً بنشاط فتستعد وتجهز حقيبة طفلها الرضيع بالملابس والرضعات اللازمة والطعام قبل أن تحمله متوجهة على جناح السرعة للسيارة التي ستقلها لمرافقة والدتها بعملها كمستخدمة بإحدى المدارس لتحظى بمساعدة أو ثمن لقوت يومها مما تجود به النفوس وتعود عند الظهيرة لمنزلها منهكة متعبة . تحاول أن تكون كالأخريات بملابس تليق بأنثى ناضجة أو أم طفل أو زوجة مع وقف التنفيذ ولكنها تفشل دوماً لأن روح الطفولة مازالت تعبث بداخلها فتدفعها للجري أحيانا والتصرفات العشوائية بلا انتظار ردة فعل أو تعليق . لم تكن أم سعود رغم ثقل الكنية على عاتقها سوى طفلة الأمس التي كتبت عنها يوما مقالاً تحت مسمى (من مخلفات شايب) .. وما دعاني للكتابة عنها ثانية هذا اليوم هو تطور وضعها أو مأساتها فلم تتوقف تلك المأساة على هروب طفلة الرابعة عشر من زوجها الثمانيني لبيت والد أشد قسوة بل زاد الحمل وتفاقمت المشكلة عندما أثمر زواج القاصر من ذلك المسن عن طفل هو الآن بشهره السادس . وكما واجهت تلك الطفلة من متاعب أصبح لصغيرها نصيب الأسد من ذلك الاعتداء فبعد أن يئس الزوج من استرجاعها أنكر أبوته لذلك الطفل ومنع مصروفه وما زاد الطين بلة هو تسلط الوالد عليها متأثراً بما اتهمها به الزوج فأصبح يكيل لها الشتائم والدعوات بالموت عليها وعلى طفلها . وعندما وصل الأمر للقضاء لم يحضر الزوج المحاكمة ولم يفكر بضرورة استخراج أوراق ثبوتية للطفل ليتم تطعيمه بالمستشفيات وتعليمه فيما بعد بل طنش العالم بأسره ولم يعرها اهتماما بل سار على قوله (فلتحترق حتى تعود لي مكسورة الجناح ذليلة) . أم سعود ينتابها الخوف أي وقت من إطلالة والد خلا قلبه من الرحمة فقد يفتك بها وبصغيرها لو سمع له صوتا أو بكاء . أم سعود على أبواب المراهقة سناً بشهادة الميلاد وبقانون الغاب وغياب الضمير هي أم أو ناشز تطالب بالأمن وتوفير قوت يومها وثمن دواء وحليب رضيعها . أم سعود على لسان زوجة والدها التي تناديها ( أمي ) لأنها قد ربتها قد حاولت الهرب مراراً أمام سوط والدها وتسلطه واتهامات زوجها الذي لم يعطها فرصة للدفاع عن نفسها وشرفها . أم سعود عندما تحمل طفلها وتجري به عبر ممرات المدرسة كأم لا كطالبة علم تصيبك بالدهشة أيهما الطفل هو أم هي ...!! بل تجعلك تحلق بالخيال حول مستقبلها الذي بدأ بساحات المحاكم والعنف والاضطهاد والإهمال .والخوف كل الخوف من المصير المجهول الذي ينتظرها .ليس هي فقط بل كل قاصر تم زجها بعملية زواج أو بيع دون خوف من عقوبة أو رادع . ما نحتاجه هو قانون يحمي هؤلاء الفتيات القاصرات ويضمن لهن حياة كريمة من أولياء الأمر والمسؤولين وتلافي ماينتج من الجرائم والإدمان والهروب والاستغلال .