مؤلم أن تجد شباباً ، أو شابات ، تجاوزت أعمارهم سن المراهقة بكثير ، ومع ذلك ما زالوا متعلقين بأمهاتهم تعلّق الطفل الرضيع بأمه ! مثل هذه العينة ، تهرع إلى أحضان الأمهات كلما صادفهم عائق ما في حياتهم ، حتى لو كان صغيراً .. لا يمتلكون أدنى مقدرة في اتخاذ موقف يخصهم ، أو حلاً نابعاً من عقولهم ، أو اختياراً شخصياً ، ولو كان هامشياً ، بملء إرادتهم الحرة . كم يشبهون أولئك الرُّضّع المتعلقين بأحضان أمهاتهم بدافع الضعف والحاجة إلى الرعاية و" الرضعة " ! ما نوع الحياة التي تنتظر نفوساً هشة ضعيفة من هذا النوع ؟ نحن الذين خبرنا الحياة نعرف جيداً كم تقسو أحياناً على من فيها ، تراها تعجننا تارة ، وتخبزنا تارة .. كم مرة لطمتنا بأحداثها ؟ وكم مرة دهستنا بقوانينها التي لا يعرف منطقها سوى الله ؟ ما الذي سيعانونه حين تغرقهم الحياة الحقيقية بلُجتها ، حيث لا أم تتخذ عنهم القرارات ، ولا أم تدافع عنهم ، أو تظللهم بأجنحتها الفارهة ؟ من الذي يتحمل وزر إنشاء شاب يعيش في الحياة بنفسية طفل رضيع أو جنين مازال حبله السري متعلقاً بأمه ؟ أعتقد أن الأم هي المخطىء الأكبر في هذه التنشئة ، حين تربي طفلها ليكون ملتصقاً بها ومحتاجاً لها طوال حياته . قد تحدث هذه العلاقة غير العادية بدافع جهل الأم ، أو بدافع حرصها أو خوفها المرضي الشديد تجاه الطفل ، أو ربما ينشأ ذلك عن وعي وإدراك بدافع أنانية الأم .. لا أكثر ولا أقل ! في قواميسنا الاجتماعية تحذر الأسر من تزويج بناتها من شباب متعلقين بأمهاتهم تعلقاً مرضياً لا فكاك منه ، ويسمون ابن هذه العينة " ابن أمه " ، حيث تصبح الأم هنا هي الآمر الناهي في كل كبيرة وصغيرة في حياة ولدها قبل الزواج وبعده وإلى آخر يوم في عمره . وابنة هذه العينة كذلك يصعب على زوجها التعامل معها من نفس المبدأ .. فما الحل ؟ يبقى على الأمهات الطافحات بالعطاء الزائد ، أدام الله في أعمارهن ، أن يحاولن تعلّم كيف يمنحن أطفالهن نعمة التحرر من قبضة أحضانهن الدافئة ، وليعلمن أن حصول الطفل على استقلاليته عن أمه ليس معناه أنه سيقلل من حبها عنده وارتباطها به ، وإنما هي خطوة ضرورية وهامة لصقل شخصيته وتقويتها لتحميه في مشواره الحياتي المقبل .. وفي المقابل على الأبناء أيضاً أن يطالبوا أمهاتهم بشيء من الاستقلالية المتدرجة ، والحذرة ، وأن يحاولوا طمأنتهن – بإصرار المحب - إلى أن حبل الحب السري بين الطرفين لن ينقطع ، وإنما هي الحياة تفرض أبجدياتها وقوانينها لأن معاركها ضارية وموجها عال لا يرحم الضعفاء ولا مسلوبي الإرادة .