إن تذكر سير الصالحين وما كانوا عليه من صالح القول والعمل يشحذ همة المرء ويصبره في عيوب نفسه. ولقد كان سفلنا الصالح يعنون بتراجم أولئك الصالحين عناية تامة يشهد لذلك العشرات بل المئات من كتب التراجم المختصرة والمطولة التي تحوي في طيات صفحاتها سير أولئك البررة محدثين وفقهاء ومفسرين وخطباء وزهاداً وعباداً إلى غير ذلك من تلك الصفوة المباركة. ولا يزال أولئك يتوارثون الفضل بحسب أنواعه إلى ساعتنا هذه وإلى قيام الساعة؛ لأن الخير باق إلى قيام الساعة. شاهد المقال.. ان عصرنا هذا قد حوى فضلاء كثيرين مشهود لهم بالصدق والديانة ومن أولئك الشيخ العابد: أبوسعد محمد بن سعد الأحيدب. ولست في مقالي هذا في مقام سرد لسيرته ولكن اقتطف شذرات مما رأيت فيه وسمعت منه وعنه فأقول وبالله التوفيق: عرفته منذ بضع عشرة سنة فأحببته منذ أن رأيته وزاد حبي له بعد توثق معرفتي به وبأولاده. كان رحمه الله تعالى ممن يأسرك بأخلاقه ولطافة معشره لا أذكر أنني قابلته إلا وجدت منه ثلاثة أمور حفاوة وترحيباً وعتاباً على تقصير مني في زيارته وسؤالاً عن والدي رحمه الله تعالى ورحم أبا سعد وجمعهما في جنات النعيم فقد كان بينه وبين والدي معرفة كما حدثني كل منهما.. كنت إذا قابلته رأيت شيخاً كبيراً يعلو محياه نور الطاعة، وترى في قسمات وجهه سماحة ووداعة، يحبه من يراه ويجله من يعرفه. هممت بزيارته بعد مغرب يوم السبت السابق لوفاته وهو اليوم الخامس عشر من شهر صفر لكني عدلت عن ذلك لظني انه سيكون صائماً ذلك اليوم، وسيكون بعد المغرب وقتاً لطعام عشاء، فلقد صادف أن زرته مرتين ووافقت وقت عشائه بعد صوم في الأيام البيض شاهد المقال: انني عدلت من زيارته يوم السبت إلى يوم الأحد ولم أكن أعلم بسفره الأصغر من الرياض ولا بسفره الأكبر من الدنيا إلا برسالة وصلتني ليلة الأحد ثم تتابعت بعدها رسائل كثيرة تحمل خبر وفاته رحمه الله تعالى. حرصت على تقبيله قبل تكفينه ولم أتمكن من ذلك فدخلت على مكان الجنائز في جامع الراجحي وقابلت بعض أولاده منهم سعد ويوسف فسألتهم عن مكانه بين الجنائز فأشاروا إليه فقبلت جبينه وهو مكفن فطابت نفسي لحرصي على ذلك. فرحم الله تعالى شيخنا ووالدنا أبا سعد. ختاماً: إن كنت أحن وأتأثر كلما مررت بجامع الراجحي بشبرا تذكرا لشيخي العالم عبدالله بن جبرين رحمه الله فقد زادني مسجد العبيكان تأثراً بتذكر شيخي العابد محمد الأحيدب. رحم الله الشيخين وجزاهما عني خيراً.