أحيانا وحين تكون في مكان عام وتحيط بك كمية من البشر لا تملك سوى أن تمارس هواية "قط الأذن أي التنصت" وهي قد تكون هواية اختيارية حين تكون "اللقافة" طبعاً في الانسان أو قد تكون هواية قسرية تجبر على ممارستها حين تكون في مكان عام وحيدا وحين يفرض عليك صوت الآخرين العالي أن تستمع لحديثهم وقد تجد نفسك منجذبا لهذا الحديث خاصة حين يكون حديثا ممتعا في محتواه أو حين تكون الشخصية المتحدثة مسرحية تلفت النظر! وعلينا ان نعترف أن هناك من كانت "اللقافة" هي أساس ذكائهم ". وإليكم الحكاية كما روتها صاحبتنا. المكان مقهى في إحدى الدول الأوربية والذي يتجمع فيه السياح العرب في منطقة مشهورة تناثرت حوله شققهم الفاخرة وعمائرهم التي تفوح منها رائحة البخور والهيل ويتجمع حولها العمالة المنزلية من مربيات وسائقين وحراس شخصيين ومرافقين من جميع الجنسيات، هناك من يستعرض سيارته التي تحمل لوحات بلده الأصلية حيث يدور في الشارع وهو مستمتع بالموسيقى الخليجية أو يوقف السيارة جانبا ليأتي السياح الأجانب ويتصوروا صورا تذكارية بجانب السيارة الفخمة. وهناك من يستعرض الحاشية والصحبة المحيطة به، وهناك من يتباهى بجواله المميز ونظارته المميزة وحقيبته الاكثر تميزا. يتجمع البعض حول طاولة يتحدثون وهم يتناولون القهوة التركية بعد وجبة مشاوي ممتعة ترتفع أصواتهم وضحكاتهم، فميزة الرحلات الصيفية أنها تزيل بعض الحواجز الاجتماعية التي يفرضونها على أنفسهم. صاحبتنا التي انشغلت بقراءة صحيفة ريثما تحضر زميلتها التي تتأخر دائما عن مواعيدها، لم تستطع أن تمنع نفسها من الاستماع لحديث على طاولة قريبة، حيث ارتفع صوت إحداهن وهي تتحدث عن صعوبة العيش في بلدها حيث كل شيء ميسر للذكور، فهم يملكون حرية التنقل وحرية الخروج والسفر وحرية التصرف بأموالهم الخاصة وقائمة طويلة من الأشياء التي يبدو من خلال حديثها أنها حكر على الذكور. ليرد عليها أحدهم بأن الوضع ليس سهلا بالنسبة للذكور، فهو كشاب لا يستطيع الدخول للأسواق بدون أن تكون معه عائلة، وهو كشاب محارب بكلمة للعوائل فقط. تطور النقاش بينهما وكل واحد يسوق الأمثلة وكأنهما في مسابقة لإثبات أي الجنسين يعاني أكثر من الناحية الاجتماعية وأي الجنسين عليه ضغوط اجتماعية أكثر، ولأن الحديث لم يكن نقاشا منطقيا بقدر ما كان فضفضة تميل إلى تضخيم الأمور، فإنه من الطبيعي أن يتوقف بدون نقطة التقاء واحدة رغم التشابه الكبير في حديث كل منهما. لماذا أسوق لكم هذه الحكاية؟ كي أخبركم أن صاحبتنا المسافرة تتسمع لأحاديث الآخرين! ربما... لكنها حين ذكرت لي الحكاية توقفت قليلا وقلت... ربما يجب أن ننصت ونسمع لأحاديث الآخرين، فصاحبتي مثلا وبحكم أنها امرأة لم تفكر يوما في الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الشباب في مجتمع شبيه بمجتمعها.