يبدو أن الطيران فضيلة.. أكثر من كونه مهنة أو شهادة، وأنه معادل معنوي للهمة والنجاح والعلو، وحين يكون ريادة فضائية يعج خروجاً من القوانين السائدة للجاذبية وحسابات الفيزياء.. ليصبح أعلى أو أكثر تأثيراً. هذه بعض تداعيات تصوري الاستباقي وأنا أدلف إلى مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الأمين العام للهيئة العليا للسياحة وأتذكر قميصاً قديماً ظهر أثناء احتفال الوطن بابنه الأمير سلطان كأول رائد فضاء عربي مسلم، كان القميص المخطط من الأعلى يحمل في الوسط صورة تضم كلاً من الأمير وزميله محمد البسام. الأمير سلطان الذي طار كثيراً.. هو الآن يمارس بعض تفاصيل الطيران وخلفياته لكن على الأرض وفي واحد من أكثر القطاعات حداثة وسخونة وتداخلاً، في قطاع السياحة الذي يمثل أكثر أشكال الإدارات والمؤسسات حدة وتميزاً وحيوية، الأمير الذي سيحتاج معه إلى أداء غير تقليدي. هذا الأداء لا يهتم كثيراً بدفاتر الحضور والانصراف ولا بساعات الدوام بقدر ما هو اهتمام وتعاط مع ثقافة كاملة عليك أن تقدم لها ما هو جديد ومثير ومستفز لبعضهم ومطلوب لدى بعضهم آخر، خصوصاً وأن السياحة قد اكتسبت من السلبيات ما لا يمكن تجاهله حين محاولة زرع ثقافة سياحية في مجتمع كالسعودي مثلاً.. وبالإضافة إلى هذا الجانب الثقافي والاجتماعي الشائك يبرز الجانب الإداري الذي يمثل أزمة من أزمات العقل السياحي السعودي بسبب حالة التداخلات الشديدة بين الصلاحيات والقطاعات المختلفة. كل هذا يؤكد أن العمل في السياحة يحتاج إلى خفة ومرونة ربما لا يليق بها سوى الطيران فكرة وممارسة ونشاطاً. الأسئلة الكبرى التي تدور حول السياحة ليست متعلقة بطرف واحد أو بجهة واحدة، إنها أسئلة أفراد ومؤسسات ووزارات ومواطنين وأجانب، حاولنا جمعها بكل حياد وطرحتها على سمو الأمير. سمو الأمير.. شكراً على هذا الوقت، دعني أبدأ معك من نقطة تطرحها أنت في مختلف أحاديثك حين تلح على مسألة أن لدينا سياحة إنما وفق تعاليم الشريعة ووفق العادات والتقاليد هل ترى حاجة لكثرة الاستثناءات مع أن دولاً غربية وإسلامية تزدهر فيها السياحة ولديها كما لدينا من العادات والتقاليد؟ - نعم لكل دولة عاداتها وتقاليدها وقيمها ومن الخطأ أن نظن أننا نحن فقط من لديه عادات وتقاليد، وكل تلك الدول لديها من الأساليب والتفاصيل الخاصة بها، وقد أطلعنا على هذا، ووجدنا أنه حتى في بعض الدول الأوروبية كان لدى الناس مشكلة في تقبل السياحة، حدث هذا في دول مثل ايرلندا حيث أوضح لي مسؤولو هناك حالة تردد الناس في قبول السياحة، لأن السياحة كمفهوم اكتسبت مفهوماً سيئاً في كثير من الدول، ونحن في المملكة نسعى لتصحيح هذا المفهوم ولإيضاح المكانة الجديدة للسياحة كعامل بناء واقتصاد. فمنظمة السياحة العالمية أصبحت الآن احدى منظمات الأممالمتحدة وتقدم الآن برامج عن أهمية السياحة ودور السياحة في علاج الفقر وفي محاربة العنصرية. ومحاربة أنواع السياحة السلبية كالسياحة المعتمدة على الجنس أو على اعتبارات لا تقبلها المجتمعات. وتضم هذه الهيئة أعضاء من مختلف الدول وكلهم يسعون إلى تنمية المفاهيم الايجابية للسياحة التي تحافظ على البيئة وعلى القيم الاجتماعية وعلى خصوصية المجتمعات ونحن في المملكة إنما نسير تحت هذه المظلة. ألا ترى أن في هذا الحديث كثيراً من التطمين خصوصاً وأن رفض فكرة السياحة أحياناً يكون رفضاً مطلقاً.. ربما ليس بسبب واقعها الآن.. بقدر ما هو تخوّف مما قد يظنه بعضهم خطراً قادماً؟ - كلا.. لسنا بحاجة إلى التطمين، والجميع هنا حكومة أو شعباً لا يمكن لأحد منهم أن يتجاوز الخطوط الفعلية الكبرى التي رسمت من مسار توحيد الدولة وتحت إطار معين تنضوي تحته كل أنشطة الدولة التعليمية والاجتماعية وطبعاً السياحية، وهنا يبرز التفاوت بين المجتمعات فنجد أنشطة تطبق في بلد ما وفق صورة لا يقبلها الداخل السعودي، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالسياحة، التي حرصنا على ألا نقدمها وفق شكل مموه، بل قمنا بدراسات استراتيجية هي في الوقت نفسه استراتيجيات جدوى حيث كنا واضحين في تناول كل متعلقات النشاط السياحي ولدينا دراسة عن السياحة والمجتمع وهي منشورة بالكامل على موقع الهيئة على الانترنت، بالإضافة إلى دراسات أخرى متعددة، ونحن وشركاؤنا نسعى إلى مزيد من ذلك الوضوح. هل ترى أن السائح السعودي يجد ما يجعله يمارس حريته وخياراته ويشعر بأنه يمارس سياحة فعلية؟ - كلا.. ليس على الإطلاق فنحن نضيق على السائح السعودي في أن يستمتع بوقته خاصة أن السياحة ليست ترفاً بل أصبحت ضرورة مجتمعية واستحقاق الاجازات أصبح جزءاً إدارياً وحقاً طبيعياً لأي موظف ولكل فرد حتى لربة المنزل، ومن هنا أقول لك بأننا نسعى لإيجاد سياحة الأسرة مجتمعة، وهذا قرار واضح وصرح به سمو سيدي الأمير سلطان وذكرناه في كل اللجان والتقارير أن السياحة المنشودة هي سياحة الأسر مجتمعة، وهي في الحقيقة النموذج الأمثل حيث تتحقق عملية ترابط الأسر وتجمعها بعد تفرقها في التزامات الدراسة والعمل، لتكون الاجازة هي فرصة الاجتماع للأسرة ونريده أن يكون اجتماع خير ومفتاحاً للخير لا للشر، أما بالنسبة للأجنبي فهو حين يأتي فإنه يكون ملماً بكل تفاصيل البلد وشروطه ومتطلباته، بل قد يكون عارفاً بأمور أكثر مما يعرفها أبناء البلد، ويأتون ليتمتعوا بما وهب الله لهذه الأرض من ميزات وثروات قد لا توجد في غيرها وهؤلاء ينطبق عليهم ما ينطبق على السائح السعودي خاصة أن السائح الأجنبي لا يأتي ليبحث عن شيء غير موجود بها والمملكة لا يمكن أن تفتح الباب لأشياء غير متاحة أو محرمة أو غير مقبولة. وما هذه الأمور؟ - مثل دور اللهو أو الأشياء المحرمة، ونحن لسنا في حاجة إلى هذا، ومع أن المملكة في فترة التأسيس كانت تمر بأزمات مالية وكانت تقدم اغراءات للملك عبدالعزيز لقبول بعض البضائع ورغم الحاجة إلا أنه لم يقبل، فكيف الآن والخير يهل على هذه الأرض من كل مكان، وهذا أمر محسوم. إذن.. ما غير المحسوم برأيك؟ - خذ قضايا كاللبس - الذي أشرت إليه - هناك دول تطبق على المواطن معاييرها، ثم تتيح للسائح خلاف ذلك، لكننا في المملكة لا نريد أن نستقطب السائح مقابل ثمن ما، ولو كان هذا الثمن مطلوباً فنحن لا نريد أن ندفعه لأنه سيقضي على نمو السياحة المحلية، أضف إلى ذلك أن الاعتقاد بأن السياح الأجانب يحتاجون إلى مساحة حرية مختلفة هذا اعتقاد خاطئ لأن الأجانب حين يأتون فهم يأتون للتمتع بالتجربة كاملة، وحين تأتي لبلد الحرمين ومهبط الإسلام ربما أنك لا تريد أن تعيش وفق تفاصيل هذا المجتمع وقد رأينا تمتع السياح الأجانب بالتراث والحياة السعودية دون أي اشكالات متعلقة بالحريات. لكن حتى تلك المعالم التراثية منها ما غُيّب منها فلا يزال مجهولاً.. أليس كذلك؟ - هذا صحيح.. والحقيقة إن الجنادرية تقوم بدور مهم في حفظ التراث فقد أبقت التراث في الصورة ونحن الآن في طور إعادة نفض الغبار عن التراث الغني الذي تضمه المملكة وإعادة الاهتمام بالمواقع التي دمرت، والمواقع العمرانية القديمة، والتجربة السعودية لن تنجح إذ ستنافس السياحات الأخرى في كل تفاصيلها ولا نحتاج أمام الموارد الكبيرة الموجودة لدينا إلى الذهاب إلى أبعاد قد تتداخل أو تتعارض مع شخصية الحياة السعودية. إذن.. فالسائح الأجنبي ينطبق عليه ما ينطبق على السائح السعودي.. تماماً؟ - تماماً.. مثل أي دولة أخرى، وأنا قد أطلعت على ما لا يقل عن مائتي تجربة سياحية ووجدت أن لكل دولة أنظمة وقوانين معينة، أضف إلى أن السائح الذي يبحث عن السياحة الإباحية المطلقة فإنه بالتأكيد لن يقصد السعودية، التي لها قوانينها، خذ ماليزيا مثلاً.. وخذ بالمقابل بعض دول الجوار مثلاً.. ستجد أن ماليزيا لها من القوانين خلاف ما هو قائم في دول مجاورة لها وهذا التفاوت أمر طبيعي وهناك أنواع من السياحة ممنوعة ومسموحة في دول أخرى. ٭ لكن حتى اجتماع العوائل لا يحدث، لأن كلمة العوائل أصبحت تعني للنساء فقط، وأصبحت المحاذير عليهن فقط؟ - كلا.. المحاذير مشتركة على الجميع وليس النساء فقط، الأسبوع الماضي كنت في جدة في مهمة عمل وقضيت نهاية الأسبوع هناك، وقد أخذت معي أسرتي ووجدت أن هناك أماكن لا أستطيع أن أدخلها مع عائلتي. عفواً.. بسب ماذا؟ - ليس السبب أن هناك من يريد حرمان العوائل من الاجتماع، لكن بسبب بعض المحاذير التي تقع وقد تؤذي العوائل كتصرفات بعض الشباب، وهناك عوائل تطالب بتخصيص أيام للنساء في بعض الأماكن، ونحن نسعى للتعرف على المحاذير والتجاوزات ونعالجها، فلا نريد أن نفتح الباب لما قد يقع من أخطاء. عفواً.. قبل قليل تحدثت عن لم شمل العائلة والتكاتف الأسري، والآن عن التصدى لبعض المخالفات...، ألا ترى أن جهود الهيئة تكاد تكون وعظية واجتماعية أكثر من كونها سياحية؟ أيضاً.. ألا ترى أن صوت الوصاية هنا يبدو عالياً؟ - لا.. لا.. أولاً نحن نسعى لأن تنمو وتزدهر السياحة السعودية بشكل غير صدامي، وأنت حين تغير أي قانون بين يوم وليلة فإنك لن تجد قبولاً من أحد، فنحن إلى الآن لا توجد لدينا ثقافة سياحية ولديك تصرفات غير مقبولة، وسأذكر لك هذا المثال: قبل سنوات كنت في أبها فجاءني أحد رجال الشريعة وأحد المتعاونين مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي المنكر وفي تلك الفترة كان هناك بعثة سياحية يابانية، وطلب مني هذا الرجل أن يحدثني عن موضوع السياح اليابانيين، وتوقعت منه رأياً سلبياً، فقال: عندي لكم اقتراح، ما رأيكم لو تزيدون لنا من السياح الأجانب الذين يأتون للاستمتاع بالسعودية والتعرف عليها وتخففون علينا من الشباب الذين يأتون من عندكم من الرياض والذين كل يوم ونحن معهم في مشاكل!! لكن هل نستطيع أن نقبل ذلك ونلغي الشباب من الخارطة السياحية؟ كلا. حسناً.. إنما أبسط نظرة تشير إلى أن ثنائية (عوائل - عزاب) لا تزال قائمة؟ - أولا.. نحن نريد أن تتاح للعوائد جميع المواقع السياحية بلا استثناء، ونريد للعوائل أن تكون مرتاحة، ولسنا نحن الذين نسعى لتحقيق هذه الثنائية وإنما هي وضع عام، ثم إن لدينا الغالبية العظمى من الشباب لا تجد منهم إلا كل خير، أما ما يحدث من تجاوزات فقد تكون من شباب مكبوت أو متعرضين لضغط ما، وهذا يحدث في كثير من أنحاء العالم، ففي نيويورك مثلاً تجد أماكن خاصة للشباب مع أنه لا يوجد شيء محظور هناك، ونحن لا يمكن أن نلوم الشباب فقط، فلديهم طاقة لا يمكن أن يتم استثمارها وما ذكرت لك، ففي أمريكا مثلاً تجد من مشكلات الشباب ما لا يحصى مع أنه لا يوجد شيء محظور هناك. .. لكن في تلك الدول يحظى الشباب بعناية واهتمام يساعدان على استثمار طاقاتهم وتوجيهها، فماذا لديهم هنا؟ - لدينا في المملكة من المميزات البيئية والثقافية وغيرها كثير مما يمكن أن يتاح للشباب، وأحد المحاور السياحية الثمانية الآن هو ما اسميناه محور.. سياحة الرياضة والمغامرات.. وتضم فعاليات مثل التطعيس والتفحيط وسباقات السيارات والقفز المطلي، والمسابقات البحرية والغوص، وكل هذه الفعاليات لا يمكن تسويقها فقط كمنتجات سياحية بل عن طريق العملية التعليمية والتربوية حيث تبدأ هذه الأنشطة لتصبح ملازمة للشاب من بداية حياته وتستمر معه لتصبح من هواياته، وسنوقع قريباً ومن أجل هذا الغرض عقداً مع شركة مختصة بالتضامن مع وزارة التربية والتعليم لتنفيذ برنامج السياحة المدرسية.. وهذا البرنامج سيكون فعالاً ومحورياً ويسعى لتدريب قرابة مليون ونصف المليون طالب في السنوات الأولى للبرنامج لإطلاقه ضمن برامج سياحية متكاملة ليكتسبوا ثقافة السائح ويتعلموا كيفية تنظيم العمل السياحي والتعامل مع المواقع السياحية والمجتمعات المحلية وكيف يتمتع ببلده الجميل، ونحن نسعى لأن يستوعب الشباب كل ذلك. وبالتالي.. فهي ليست ثنائية.. عوائل وعزاب، بقدر ما هي مناشط وفعاليات خاصة بكل جانب. لكنها قائمة كوضع اجتماعي وكمتطلب اجتماعي ولا يمكن أغفالها؟ - نعم.. لكن هل تعلم أنه في أمريكا وفي دول أوروبية كثيرة هناك أماكن متعددة تخصص أياماً للأسر، وهذا طبيعي وعالمي، أنا أفضل حين أصطحب أسرتي معي أن نكون في موقع خاص للعوائل لأنه أضمن للعائلة أن تكون مجتمعة، وهذا يفتح باباً أكثر للراحة، لكن حين ندخل شباباً فإن هذا قد يسبب إزعاجاً. حتى العائلية هنا - كما تقدم - تقتصر على النساء بمعنى أن الرجال لا يمكن أن يدخلوا بعض الأماكن وإنما هي للنساء فقط، مع أنها تكتظ بالعاملين من الرجال؟ - أنا بالنسبة لي العائلة هي الأب والأم والأولاد والبنات، أي العائلة مجتمعة، وهذا ما يجب أن يكون اجتماع العائلة كلها، وهذا مهم للأسرة وأكثر تماسكاً لها وخاصة في أوقات الإجازات والجميع يتفق على هذا، وأن من الخطأ عدم اجتماع الأسرة. وما قد يحدث من سلبيات أثناء الاجتماع فهذا يمكن التغلب عليه عن طريق خطط قصيرة المدى وكوضع ضوابط وأنظمة، وطويلة المدى عن طريق بث ثقافة سياحية واعية. وموضوع وجود الأسرة مجتمعة أمر رغم أهميته إلا أننا نريده أن يتحقق بهدوء وحسب استعداد الناس واستعداد المواقع التي تشهد تفاوتاً. وأذكر هنا كلمة سمو الأمير خالد الفيصل الذي أثنى على هيئة السياحة لأنها جعلت حرية التنظيم السياحي للمهرجانات في المناطق حراً بحسب حالة كل منطقة. وهذه تعد سياسة للهيئة أليس كذلك؟ - نعم.. فالاستراتيجية التي أقرت من الدولة أن السياحة يجب أن تنمو نمواً لا مركزياً، على مستوى المملكة وحتى على مستوى المنطقة الواحدة، خذ مثلاً القصيم حيث في مهرجان مدينة ما عناصر غير موجودة في مهرجان مدينة أخرى لأن المجتمع المحلي يتفاوت في قبول أمر أو رفض آخر فهل تغضب الناس؟ كلا، إضافة إلى أن تفاوت الأذواق أمر طبيعي، وهذا ما نريده نحن، أن تعالج المجتمعات المحلية هذه الأمور بنفسها. سمو الأمير.. دائماً ما تؤكد أن العمل السياحي في المملكة غير منظم، فما سبب ذلك ومتى سينتهي هذا الوضع؟ - أولاً.. بسبب أن صناعة السياحة نشأت بشكل عشوائي، وكانت عملاً اقتصادياً مهملاً لم يتنبه إليه أحد إلا عسير، وسمو الأمير خالد الفيصل منذ أمد بعيد وهو يتحدث ويطالب بعمل سياحي فعلي، وللحقيقة فقد كان هناك تمنع إلى حد ما، ونشأت ما تسمى بصناعة السياحة، التي تتداخل فيها وتغذيها وتستفيد منها قطاعات متعددة، كالتموين والنقل والتجارة، وغيرها من مظاهر النمو، وكل سعودي يصرف مبلغاً في الخارج فهو مبلغ قد خسرته الدولة، وكل سائح أجنبي يصرف مبلغاً في الداخل السعودي يعد إضافة وربحاً، لذلك فالسياحة تعد دولية من الصادرات التي تصدر في الداخل. هذه السياحة رغم أهميتها إلا أنها نمت محلياً بشكل عشوائي وسريع بسبب عدم وجود مظلة أنظمة وهيكل مؤسسات سياحية. مثل ماذا؟ - مثلاً التداخل في أعمال الاستثمار والسياحة وتداخل في مرجعيات قطاعات السياحة وفي صلاحياتها، فقطاعات مثل الإيواء والفنادق والمنشآت السياحية فكلها غير منظمة وتعيش ارتباكاً بسبب تداخل المرجعيات مما سيعثر نموها. وماذا فعلتم في الهيئة لتلافي هذا التداخل؟ - الهيئة تضم ممثلين من مختلف الوزارات وهذه من حكمة الدولة حين جعلتها هيئة لا وزارة وقد وقعنا اتفاقيات مع جميع الوزارات التي يوجد لنا تداخل معهم ورفعت للمقام السامي بغرض تنظيم كل القطاعات ذات العلاقة، ونحن ننتظر القرار بذلك، لكي تتضح الصورة وتنتهي العشوائية، فنحن - مثلاً - في الاستراتيجية الخاصة بالسياحة طلبنا ما لا يقل عن ستين صلاحية ولم نخرج إلا بثلاث صلاحيات أساسية. لماذا؟ هل توجد جهات عليا في القرار لا تشجع السياحة أو تتخوف منها مثلاً؟ - كلا.. أبداً.. بل هناك استجابة دائمة وقد وقعنا اتفاقيات خاصة بكل تداخل الصلاحيات.. على أكثر من مستوى فمنها ما سينقل بالكامل إلى السياحة، التي بسبب هذه التداخلات أدخلنا السياحة إلى «العناية المركزة» ولكننا قمنا بتأجيلها هذه المرحلة مدة سنة ونصف السنة بسبب تأخر بعض القرارات الأساسية في عملية التنفيذ وتأخر بعض الاتفاقيات، وقد أعلنا أهمية تلك الاجراءات من أجل تنشيط العمل السياحي لكن بعضهم يظن أن الهيئة تسعى لأن «تكوّش» على كل الصلاحيات وتنفرد بها، ولكن هذا يأتي من صميم جهود الهيئة، وهذا ليس جهداً اخترناه نحن وإنما طالبت به المناطق وطالب به القطاع، بأن الدولة لابد أن يكون لها جهد ريادي ومحوري في هذه الآونة في تجميع شتات السياحة وتنظيمها وفي بناء الشركاء الجدد، والدولة قامت بذلك من خلال الهيئة ونحن قمنا بهذا مع الشركاء ورفعنا استراتيجية تتضمن خطة العناية المركزة وهي الخمس السنين الأولى. لم تصر على هذه التسمية؟ - لأنها هي الأمثل.. ومع أن بعضهم أرادوا استبدال هذه الأسماء ولكني تمسكت بها، لأن خياراتنا هي خيارات المريض الموجود في العناية المركزة.. أن يموت، أو أن يبقى في العناية المستديمة، أو أن يتعافى. دائماً تتحدثون عن أعداد السياح السعوديين في الخارج، فهل أنتم - كما يفهم - كجهاز مهمته مكافحة السياحة الخارجية؟ - أبداً.. نحن غير منشغلين بمكافحة السياحة الخارجية، وإنما منشغلون ببناء السياحة الوطنية لتكون منافساً ولكن ليست مهمتنا وعظ الناس وتزهيدهم في السياحة الخارجية، خاصة أننا لا يمكن أن نقول شيئاً من ذلك دون أن يكون لدينا بديل، فالسياحة الخارجية لا تهمنا وسيظل الناس يذهبون إلى الخارج.. ولذا فقضيتنا كيف نبني سياحة وطنية يكون بها خدمات متميزة ومتوافقة مع جميع المستويات، ولجميع الشرائح وتعرف بالمقدرات السياحية، وأن تكون برامج ممتعة وجميلة بغرض أن يرتاح الإنسان في بلده. لا أن يغادره بحثاً عن الراحة. لكن هذا هو ما يحدث الآن؟ أليس كذلك؟ - نعم.. هذا صحيح.. الناس تبحث عن الراحة والانطلاق وهذا ما يجب أن نسعى إليه لا أن نظل نكرر: هذا يتوافق مع كذا، أو يخالف كذا. فنحن نعيش في دولة دستورها القرآن وسياسة الدولة واضحة .. فلا حاجة إلى أن نكرر كل يوم هذه المواقف، وكأنها نقدمها بصفة اعتذارية وهذا ما أقوله دائماً، فلا أبدأ مناقشتي أصلاً بأن هذا الأمر يتوافق مع كذا.. أو يخالف كذا، فمجرد افتراض أننا سنقوم بشيء لا يتوافق مع ما هو ثابت فهذا افتراض خاطئ. أيضاً.. هذه النغمة مستمرة مع المواطنين وتنشط مع الأجانب أكثر؟ - الكثير من الأجانب الذين جاءوا إلى المملكة، خرجوا وهم يحملون من الامتنان والثناء الشيء الكثير، وقبل أيام كان لدي لقاء مع فريق صحفي أجنبي يعد تحقيقاً عن المملكة لمجلة أمريكية وقالوا لي: لقد أمضينا أكثر من شهر في المملكة ولن ننسى معاملة الناس لنا وما استمتعنا به في هذا البلد، ونتمنى أن نعيش في هذا البلد. ونحن الآن بصدد إصدار كتيّب خاص بالسلوكيات العامة سنرفقه بالتأشيرات وسيكون خاصاً بالأجانب، وهذا يحدث في معظم الدول. معظم الدول يا سيدي.. تترك حداً أدنى، فهل ستضعون فيه كل التفاصيل؟ - نعم .. تماماً مثل أي دولة ثانية. مثلها في مسألة التفاصيل مثلاً؟ - لا .. لا .. أنا أعرف هذا، هنا دول تضع قيوداً عن طبائع الناس وسلوكياتهم وخصوصياتهم، ونحن نحرص على هذا لكي لا يكون السائح عبارة عن جسم غريب وشاذ، فالسائح يأتي لأنه يريد أن يعيش كل التجربة. من الذي وضع الدليل أنتم فقط، أم مع جهات أخرى؟ - الجميع .. هيئة السياحة وخبراء في الاقتصاد وخبراء من الجامعات وأجهزة دينية، وجهات متعددة. لكن هل التركيز سيكون على الجانب السلوكي والديني؟ - أبداً.. الدليل ليس وثيقة دينية وإنما هي وثيقة تطلبها منظمة السياحة العالمية، ومنها ما هو عام ومنها ما هو خاص بكل بلد، وقد قمنا نحن بتعبئة الخانات الخاصة بنا، ولكل دولة دليل مماثل تضع فيه ما هو مرفوض وما هو مقبول على أرضها، وهذا جزء من منظومة ثقافة اجتماعية، فلو افترضنا جدلاً أن الحكومة قالت يلبس كل كما يريد، ومع أن هذا لن يحدث لكن لنفترض؟ سيقبل الناس بذلك؟ أنا بالنسبة لي لن أتقبل ذلك أبداً، خاصة أن مثل هذه المظاهر لا طائل من ورائها.والهيئة تعيش في المملكة العربية السعودية وليس في مكان آخر، وبالتالي فهي جزء من الشخصية العامة لهذا الوطن، وهذا ما جاء في الرؤية العامة لمشروع السياحة. ما هذه الرؤية؟ - أولاً.. هي ليست رؤية الهيئة وإنما هي رؤية المملكة والاستراتيجية حين أقرت كاستراتيجية للسياحة الوطنية، والرؤية لم تقدم بشكل فردي وإنما قمنا بعمل حلقتي نقاش للرجال والنساء وحضرهما مختصون وأفراد من جهات متعددة ومجموعة من المشايخ والأساتذة كالشيخ صالح بن حميد (رئيس مجلس الشورى) والدكتور عبدالله بن صالح العبيد (وزير التربية والتعليم)، ومجموعة من رجال الأعمال والمختصين من مختلف الجهات والمؤسسات وبعد النقاش خرج الجميع متفقين على الرؤية، وعلى أن انطلاقة السياحة في المملكة وتنظيمها انطلاقاً من القيم التي بنيت عليها المملكة، فلا يمكن أن تطلق صناعة كالسياحة لها أبعادها الاجتماعية دون أن تراعي ذلك، ولهذا فقد كانت يدنا على نبض المجتمع، وفي أحد التقارير تناولنا القضية الاجتماعية تحت عنوان: السياحة والمجتمع، وهو يبحث مسائل مثل تغيير نظرة المجتمع للسياحة ورفع أداء المجتمع الوطني في عملية السائح كسائح وكمستضيف وكمستثمر وفي إحداث تحول ايجابي تجاه بعض المخاوف التي قد نسمعها هنا أو هناك. لكن .. مع خبرتك في السياحة .. كيف ترى هذا التخوّف؟ - أولاً .. أنا نصف خبير سياحة، ولا أرى نفسي كخبير، ومع أن ما قرأته وما زرت وما حضرت من ندوات وحلقات ودورات في الخمس سنوات الماضية يكفي للحصول على أربع شهادات دكتوراه، وليتني صنعت شيئاً من ذلك، ورغم هذا فلازلت نصف خبير، أما مسألة التخوف فهي أمر طبيعي تعاني منه جميع المجتمعات التي لديها سياحة والتي تحارب إحداث أي تغيير سلبي اجتماعي، ولذلك فأنا اطمئن الناس: نحن يدنا بيد الجميع: المجتمع والقطاعات الحكومية والقطاع الخاص، ونحن نشعر أيضاً بهذه المخاوف وبأهميتها وخطورتها، وبأن أي شيء جديد سيتبعه تغيير ونحن نحرص على أن يكون تغييراً إيجابياً. ألا يخشى سموكم أن يؤدي الإلحاح على هذه المخاوف إلى صناعة سياحة رتيبة ومملة؟ - لا .. لا .. هذا لا يعني أن تكون السياحة مملة أو تركز على أنشطة ضيقة جداً، وخاصة أن السعودية بما لديها من مقومات إنما تستحق أن تكون بلداً سياحياً من الطراز الأول. لكن ما هو موجود من فعاليات سياحية بسيط وعادي جداً في معظم الأحيان ولعلك تشاهد فعاليات كثيرة لا تخرج أحياناً عن لعبة شد الحبل واستعراض الثعابين السامة والدراجات النارية؟ - أنا أتفق معك تماماً، وربما تستغرب اتفاقي هناك ضعف شديد فيما يقدم من برامج وفعاليات سياحية بسبب أن السياحة بشكل عام غير منظمة ومن أسباب ذلك عدم وجود لاعبين مؤهلين ومدربين ومنظمين، فلا تنظيم الفعاليات ولا البرامج السياحية كلها قطاعات غير موجودة. مؤخراً وقعتم اتفاقاً مع التلفزيون السعودي لتسويق السياحة، مع أن التلفزة السعودية من أقل المنابر جذباً للمشاهد السعودي؟ - التلفزيون السعودي مبيعاته الإعلامية أعلى من أي مبيعات أخرى والدليل العقد الإعلامي الأخير، أيضاً فالتلفزيون السعودي يمثل وجهة نظر المملكة، ولا نريد اليوم الدخول في منافسة مع قنوات أخرى فيما تنتجه هذه القنوات، ومعالي وزير الإعلام يتجه الآن إلى خلق هيكلة جديدة في التلفزيون السعودي والدولة تدعمه في ذلك، إضافة إلى ما يتوقع من تحويل التلفزيون إلى مؤسسة عامة، وسيكون هذا قراراً تاريخياً. هل يعني هذا أن طموحكم من السائح السعودي لا يختلف عن طموح التلفزيون المحلي من المشاهد السعودي؟ - لا .. لا .. ونحن نقوم بالتسويق من أجل الوصول إلى إشاعة الوعي السياحي والعمل السياحي، إضافة إلى أننا لا نقتصر على التلفزيون السعودي فلدينا تعاون مع قنوات مثل mbc وإعلاناتنا وحملاتنا مستمرة مع أكثر من نطاق. ما مدى رضاك عمّا تحققه هذه الحملات من تسويق للسياحة السعودية؟ - بشكل عام فإن رضاي اليوم لم يصل إلى 10٪ مما أطمح إليه للسياحة السعودية، مع أننا في المرحلة الرابعة مرحلة تنفيذ استراتيجيات المناطق من ضمنها إنشاء المشاريع السياحية الرائد وقد قدمنا للدولة حزماً من القرارات المهمة. مراحل أولى .. وثانية وثالثة .. ألا يمثل هذا أداء بيروقراطياً ربما لا يتناسب ومرونة العمل السياحي؟ - أقول لك بصراحة .. لقد كنت من أوائل المشككين في إمكانية نمو السياحة في المملكة كما أطمح لها، عندما أتيت للهيئة لم أكن خبير سياحة ولم آت كخبير، وإنما أتيت استجابة لتكليف من الدولة وبطلب من سمو سيدي النائب الثاني وبتوجيه من قيادتي إلى مهمة كنت أعي من بدايتها أنها مهمة خطيرة وفيها من التداخلات ما فيها. وأن هناك فئات تقف ضد السياحة وأنا أؤيدهم في ذلك انطلاقاً من المنظور الذي لديهم عن السياحة، لكن ليس المفهوم الذي تكوَّن لدي لاحقاً، وقد التقيت بسمو سيدي الأمير سلطان وجلست معه وكلفني بعدة مهام، وسمعت منه الكثير. هذا دليل اهتمام القيادة السعودية بالسياحة وتطويرها؟ - نعم .. بالتأكيد .. أيضاً التقيت بسمو سيدي ولي العهد وجلست معه في اجتماع طويل جداً وبقينا منفردين، وأطلعته على عرض كامل، وسمعت منه - حفظه الله - كل ما يثلج الصدر ويشجع، وقد حرصت على تقديم مشروع جدوى اقتصادية وقمنا بعملية واسعة النطاق فلا توجد وزارة أو وزير أو وكيل وزارة أو مسؤول في الدولة أو القطاع الخاص أو فئة من فئات المجتمع إلا وشاركت في مشروع الاستراتيجية، وقد درسنا كل شيء، وقدمنا مشروعاً متكاملاً. الآن.. هل تغير موقفك؟ - نعم.. الآن أنا أجلس معك بعد خمس سنين من العمل وأقول لك بأن فكرتي السابقة تغيرت تماماً، أنا لست مختصاً بالسياحة وقد تسلمت مشروعاً اقتصادياً لا تسويقياً أو وظيفة حكومية، وإنما كما ذكرت لك هو مشروع اقتصادي مجد وسيكون من أكثر المشاريع الاقتصادية اسهاماً في جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل ويسعى لتحويل الموجودات غير المستخدمة تراثية وثقافية وبيئية من عناصر ميتة ومهملة إلى آبار بترول ومصانع بمفهوم جديد ومفيد للمجتمعات المحلية. ٭ الناس تسأل باستمرار عن التفاوت في الفعاليات السياحية ففي حين تضم بعض المدن حفلات غنائية وترفيهية متعددة، لا يحدث شيء من ذلك في مدن أخرى؟ - كلا .. أنا لا أرى ضرورة لأن يكون هناك جامع منطقي، وهيئة السياحة لا تمنع ذلك، وإنما هي تترك الخيارات لأداء المناطق. ٭ ولم هذا التفاوت بين مختلف المدن؟ - ولم لا يكون هناك تفاوت.. اذهب في جولة على الولاياتالأمريكية لترى التفاوت الشديد، إن هذا يعود إلى امراء المناطق، وهذا التفاوت المحمود أراه أنا تميزاً، وبما أننا لا نزال في البدايات فهذا التفاوت طبيعي، يقرره أمراء المناطق ومع أنني أرى أن الحفلات الغنائية ليست محوراً للفعالية السياحية إلا أن التفاوت فيها يعود للمناطق. ٭ هل تنسقون مع المدن، وهل يكون لديكم علم بما تريد أن تقدمه مدينة ما من فعاليات وحفلات؟ - كلا الهيئة لا تتدخل في عناصر المهرجانات وإنما نترك لكل منطقة أن تنظم مهرجانها بالطريقة التي تريدها. إنما ما يهمنا هو تقوية أجهزة السياحة في المناطق وتغذيتها بقدرات جديدة أما عناصر المهرجان فهي متروكة للمناطق، والذي يُسأل عن الحفلات الغنائية أمراء المناطق وليست الهيئة. ٭ الاستثمار في السياحة يواجه عقبات كبرى، وهناك مشاريع كثيرة وأموال طائلة هاجرت إلى الخارج، أين دوركم هنا؟ - نعم .. صحيح .. لأننا نملك صلاحيات في هذا الشأن والهيئة بتنظيمها الذي صدر قبل خمس سنوات لا يمنحها شيئاً من تلك الصلاحيات. ٭ إذن .. من المسؤول .. وأين تلك الصلاحيات؟ - الصلاحيات مشتتة جداً.. بعضها لدى البلديات وبعضها لدى هيئة الاستثمار، ومرة أخرى نحن لا نريد احتكار الصلاحيات، والصلاحيات التي أوصت بها الاستراتيجية صلاحيات ضيقة جداً في ثلاثة قطاعات أساسية فقط من خمسين صلاحية مهمة. ٭ معنى هذا أن الوضع لن ينتهي وستظل الخسارات قائمة؟ - نعم .. لكن إذا تحققت التوصيات فيما يتعلّق بتنظيم اتخاذ القرار الخاص بالسياحة فسيتحقق الشيء الكثير. ٭ بعد خمس سنين ولا يوجد مشروع استثماري سياحي كبير.. كيف سينتهي هذا؟ - الهيئة الآن رفعت كل ما تحتاجه فيما يتعلّق بالصلاحيات وبالاستثمارات السياحية وما يتعلّق بصلاحيات التنشيط قطاعات (ميتة)، ولدينا الآن قطاعات تخدم الاقتصاد الدولي وتمتص من الدم المحلي وتخدم الاقتصاد الخارجي، ولذلك فاعادة تنظيمها عنصر أساسي من عملية بناء السياحة، فمثلاً قطاع الإيواء والفنادق مازال غير مفعل كما يجب لخدمة السياحة الداخلية، ولا تسوق للمملكة في فروعها الخارجية. ٭ إذن .. أصبحت الخسارات أكثر؟ - بكل أسف.. هناك خسارات لا يمكن إيقافها إلا بتنظيم السياحة، والسياحة غير منظمة، ونحن الان في طور التنظيم، وقد قلنا قبل خمس سنوات أننا نريد أن يكون دورنا تنظيمياً إشرافياً، إسنادياً، لكن في البداية دورنا هو كشريك القيادي، لقيادة هذا الجيش الجديد من مختلف القطاعات لتصبح عنصراً موحداً يصب في مصلحة الوطن. ٭ لعلك تتفق معي في أن تسرب رؤوس الأموال سيظل قائماً إذا بقيت القوانين والأنظمة هكذا؟ نعم.. هناك حاجة للحماية وللوضوح في المرجعية لكن بالنسبة للسياحة هناك عدم وضوح وعدم وجود مرجعية موحدة وهناك تداخل في مسارات القرارات، لكن إصلاح كل ذلك سيتم إن شاء الله وهذه من المشاكل الموجودة في كثير من الدول وبعضهم قد تغلب عليها، وأنا استبشرت بالقرار الذي صدر مؤخراً من لدن سمو سيدي ولي العهد بخصوص معوقات الاستثمار وأتمنى لهذا القرار أن ينفذ تنفيذاً حاسماً، فالمستثمرون لا ينتظرون، ويكفي هذا البلد ما صدره من أموال ومن استثمارات، وإذا ما سهّل أمر الهيئة فستسمع عن مليارات أكثر من التي غادرت إلى الخارج لأن هناك أبواباً للاستثمار السياحي واسعة جداً. خاصة وأنك تتحدث عن عشرات المليارات ونتحدث أيضاً عن سائح مقيم وهو السائح السعودي، وقد جاءني كثير من المستثمرين لما رأوه من سعة وفرص في السوق السعودي السياحي والدولة أيضاً تحتاج لذلك، خذ مثلاً القطاع الصناعي، فلو لم تكن هناك مرجعية موحدة للمصانع وليست لها حماية ولو أن كل شركة تتعرض لأي إجراء مثلاً أو يتم سحب أراضيها، أو يأتي من يفعل المصنع الفلاني، أو تأتي جهة ما لتفعل هذا النشاط أو ذاك، هل يمكن أن توجد لدينا صناعة؟ كلا. وبما أن الدولة لديها تجارب ناجحة في صناعة أبعاد استثمارية جديدة كالصناعة والرزاعة والنفط؟ ٭ ربما لا يمكن مقارنة هذه القطاعات بالسياحة؟ - تماماً.. تماماً.. بالطبع .. لأن السياحة ليست كأي صناعة وإنما هي موجودة ضمن تنافس كبير وليست لدينا خيارات في أن نقبل أو لا نقبل، ندعم أو لا ندعم، وإنما لا بد أن نتجه لإيقاف هذا النزيف، فأعيننا ليست على الخارج وإنما على الداخل لتنميته وتطويره واستثمار كل المناطق الصالحة لذلك. ٭ يبدو أنكم تسيرون في تفعيل السياحة خلف خط سير التنمية الذي قد يكون تأخر عن مناطق ربما تعد متقدمة سياحياً، فالجنوب مثلاً.. وإن كان في طريقه إلى التنمية إلا أنه يستحق أولية سياحية؟ - كلا .. غير صحيح.. كل المناطق لدينا متساوية.. ولكل المناطق لدينا خطط أُعدت في نفس المناطق، ففي جازان مثلاً اشتغلنا على خطة كبرى، والمتبع أن يقوم أمراء المناطق بتسليم الخطط، فمؤخراًقام أمير منطقة جازان بتسليم الخطة الخاصة بمنطقة جازان إلى سمو الأمير سلطان، وهي خطة دقيقة وتفصيلية وتشمل جميع المواقع المهمة، والمواقع التي تستحق الأولية، مع الحفاظ على شخصية المنطقة، والتركيز على نقاط القوة، وأوقات الذورة، وفي المرحلة الرابعة نسعى لبناء أجهزة التنمية السياحية في المناطق، وأنا كأمين عام الهيئة تتبع إلى إدارة وحيدة هي إدارة إسناد المناطق، وهذا مشروعي وهي الآن الهم الأساس للهيئة. وقد زرت مختلف المناطق وكما ذكرت لك فإن أماكن مثل فرسان وغيرها، هي آبار نفط معطلة. ولدينا الآن مشروع اسمه «المحور السياحي» على البحر الأحمر وقد وقعنا عقداً استشارياً، وفي نهاية المشروع ستكون لدينا استراتيجية نقدمها للدولة عن موجودات البحر الأحمر لدينا، وسيكون فيها حصر كامل لكل المواقع، ويكفي النظر في هذا إلى الشاطئ المقابل في مصر وغيرها من الدول المتقدمة سياحياً. ٭ بالاضافة إلى هذه القيود فبعضهم يرى أن الهيئة تقيد نفسها بما يشبه الاعتذارات الدائمة، فكل خطوة تخطوها تحرص على أن تقدمها بمسألة: يتوافق مع كذا، ووفق كذا، هل تتعرضون مثلاً لاحتجاجات من هذا الجانب؟ - نحن .. والحمد لله نمثل الشخصية العامة والتوجه العام، ومؤسسات الدولة لا تحتاج إلى مفتين أو إلى تأصيل شرعي، فالدولة لم تتخذ قرار السياحة وهو يحتاج إلى تأصيل شرعي وإنما أقرته الدولة وانتهى الأمر، وتقارير الهيئة لا تصدر إلا من أبناء الدولة الذين تربوا على قيم ومثل معنية، ونحن نراعي دائماً إذا ما وجد ما يحتاج إلى رأي شرعي فنحن نحرص عليه. ٭ مع أن الآراء الشرعية متعددة ومنها ما هو متسامح في أمور ومنها ما هو متشدد أيضاً؟ - نعم.. نحن نبحث عن المتوازن والمقبول، ولم تقابلنا قضية تحتاج إلى فتوى شريعة، فكل قضايانا لها أصل في تعاملات الدولة التي تقوم أصلاً على الشرع، فلم يحدث إلى الآن أن احتجنا إلى فتوى في أي شيء. ٭ هل تمثل هذه النقطة بالنسبة لكم هاجساً في العمل السياحي؟ - هذا الهاجس يهمنا كمسلمين قبل أن نكون مسؤولين والهاجس الذي لدينا مرتبط بالهاجس العام لنا كمسلمين، ولكن بالنسبة للسياحة لم نر إلى الآن ولله الحمد أي قضية تحتاج فتوى، فقد صدر قرار واضح من الدولة بجعل السياحة قطاعاً اقتصادياً منتجاً، وأؤكد لك أنني لا أتذكر إلى الآن أن هناك قضية واحدة احتجنا فيها إلى فتوى شرعية ولم تأت إلينا أي ملاحظة من الجهات الشرعية التي لدينا عن دراسات الهيئة أو قراراتها. ٭ لكنكم تتعرضون أحياناً لنقد غير منصف؟ - نعم .. صحيح .. أذكر قبل أيام أعلن في الصحف أن هيئة السياحة تقوم بدورات لتدريب النساء على تصميم مواقع الإنترنت.. وجاء بعض الاخوة الذين .... ٭ كيف هل جاؤا كناصحين .. مثلاً؟ - نعم .. وأنا أحب الناصح الذي يكتب اسمه لا أولئك الذين يذهبون للإنترنت ويكتبون بلا رؤية، فهؤلاء مصيرهم أن يُرموا في سلة المهملات، فليس من سلوك المسلم أن يتعرض للناس جزافاً، المهم جاءتني آراء تطالب بإيضاح وقمنا بالإيضاح. ٭ حسناً.. هل أنتم مطالبون بإيضاح كل شيء؟ - كلا .. لكني أعيش في مجتمع أتحرك ويدي على نبضه، ولا أريد أن نتعامل معه بفوقية بل كشريك للمجتمع في همومه وفي أسئلته. ٭ لكن هناك قضايا حولها جدل قائم أصلاً، كقضية الآثار مثلاً؟ - ضمن كثير من الحلقات النقاشية التي تقيمها الهيئة أدرت حلقة نقاشية عن قطاع الآثار والمتاحف وقد دعينا لها كثيراً من الأطراف وحتى ممن لا يرون جواز مسألة الآثار، ودخلنا في نقاش رائع، وخرجنا بتصورات رائعة ومتميزة. ٭ مثل ماذا؟ - إن الآثار لا يمكن أن يتم التعامل بطمسها فهذا لا يمكن لأنك في بلد غير مفرغ من الحضارة والتاريخ بل تقاطعت عليه الحضارات والأديان وطرق التجارة ولم نعرف أن أحداً في القديم قد قام بتدمير تلك الآثار من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة، وحين ندمر آثار هذا البلد فنحن نصادق على التهم التي تقول إن الإسلام نزل على أرض لا حضارة لها ولا تاريخ. ٭ سمو الأمير.. إذا استمرت هذه الإشكاليات وهذه التداخلات .. فما موقفك وما موقف الهيئة وما نظرتك إلى السياحة؟ - أنا جندي، وأحسب نفسي مجرد حلقة ضعيفة في هذا المشروع الكبير، وقد كُلفت بالمهمة ضمن زملاء كثيرين، وهيئة السياحة كمؤسسة أكبر مني، ولديها قدرتها على الاستمرار والإنجاز، وقد تجاوزت المراحل الصعبة والتمهيدية بعد عمل طويل وشاق، ولقد قلت لأحدهم ذات مرة لو أنني كُلفت بالتفاوض في القضية الفلسطينية طوال السنوات الخمس الماضية لكنت حققت من النجاحات الكثير، لأن ما قمنا به في السياحة احتاج من الجهد والتعب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. ٭ ربما ستواجه من التعب ما هو أكثر.. فأنت أمام حقل شائك، ولكنك قادر بإذن الله؟ - لا مشكلة .. أنا دائما أشعر بمسؤوليتي سواء أكنت في عمل حكومي أو خارجه، وقد عملت في الدولة ثم تقاعدت، وفي أثناء التقاعد كان جل وقتي في خدمات عامة للدولة وللناس وهذا همي الوطني وقد تعلمته من قيادتي ومن والدي فأنا أعيش في بيت رجل يعمل ليل نهار، وتربيت على يد مولاي خادم الحرمين وسمو سيدي الأمير عبدالله، وكنا نسمعهم ونحضر مجالسهم ونرى كيف يديرون الأمور، وهذا ما يمنحني المزيد من الجهد والعون. وأنا متفائل جداً بمستقبل العمل السياحي في المملكة.. وبانتهاء كل هذه العوائق وبالسير باتجاه خلق مناخ سياحي فعلي.