لو سئل من يعيش في المدن الكبرى عن أكثر المنغصات اليومية لقال بكل تأكيد: انه الزحام الشديد في الشوارع. وتتجلى المشكلة بشكل اكبر لسكان مدينتي الرياضوجدة اللتين تعانيان من اختناق مروري حاد وخاصة في أوقات الذروة التي لم تعد محصورة بفترات الصباح والظهيرة. وهنا نحن أمام خيارين، هما: إما أن يتم حل مشكلة الزحام الذي قد يكون مستحيلاً على المدى القصير، أو ان يتم التسليم للأمر الواقع وانه لا مفر من مشاكل الزحام اليومية. إذا تم التسليم للأمر الواقع فنحن أمام خيارين أيضا، وهما إما أن يتذمر الشخص حتى يصاب بالاكتئاب والضغط، وإما أن يستغل فتره المكوث في السيارة بما هو مفيد. وهنا يكمن التحدي في كيفية استغلال فترة القيادة المملة فيما هو مفيد، يجد الكثير في البرامج الإذاعية أو التسجيلات السمعية وسيلة لقتل الوقت، لكن للأسف تكمن المشكلة في محدودية البرامج الإذاعية المفيدة، حيث تطغى عليها الأخبار والأغاني والبرامج السطحية، بل والإعلانات التجارية التي تكاد تطغى على وقت الإذاعة. توفر العديد من دور النشر، الأجنبية غالباً، تسجيلات صوتية ذات جودة عالية للكتب بحيث يتمكن المستمع من سماع كامل محتويات الكتاب خلال فترة زمنية قد لا تتجاوز العشر ساعات. هل لنا أن نتخيل كم من الكتب يمكن الاستماع لمحتواها الثقافي والعلمي خلال وقت القيادة الممل والضائع؟ إذا افترضنا ان السائق أو الراكب يقضي ما يقارب الساعتين يوميا في السيارة، فهذا يعني إمكانية الاستماع لمحتوى مايقارب ستة كتب خلال شهر واحد! طالعتنا الصحف مؤخراً عن قيام وزارة الثقافة والإعلان بالتوصية لتأهيل خمس عشرة مؤسسة وشركة، وما نتمناه هو أن نجد المفيد والممتع في الإذاعات الجديدة، وألا تكون مجرد قنوات تجارية بحتة لا تساهم إلا في هدر الوقت.نتمنى أن نجد إذاعات متخصصة في مجال المعرفة والثقافة بحيث تصاغ البرامج للمستمعين بشكل ممتع ومشوق على مدار الساعة. فعلى سبيل المثال، قد تتخصص برامج الإذاعة في نقل متعة وفائدة القراءة إلى المستمعين كعرض الكتب المسموعة على عدة حلقات بالإضافة إلى قراءات نقدية للكتب ونشر دوري لقائمة الكتب الأكثر مبيعاً. وبما ان فترة الذهاب والعودة من المدارس قد تستغرق الوقت الطويل، ستكون تلك فرصة رائعة للوصول إلى الملايين من قائدي السيارات والطلاب خلال تلك الفترة من خلال برامج ثقافية خاصة بالطلاب. من يعلم، فقد تتحول فترة الركوب في السيارة إلى متعة وفائدة تنسينا زحام الطرق والانتظار الطويل أمام إشارات المرور! * دكتوراه في الاقتصاد