بين فكي السطحية وخواء المضمون وقعت الإذاعات السعودية الجديدة، التي انطلقت قبل نحو العامين، من وجهة نظر نقاد ومستمعين، لتقع في دائرة التكرار والتشابه، لتأخذ نسخاً «شبه كربونية» من بعضها، ومن سابقاتها. وبحسب نقاد ومستمعين التقتهم «الحياة» وسألتهم عن تقويمهم للتجربة الأثيرية الجديدة، ظهر تباين واضح بين مؤيد ومعارض لما تبثه، ولاقت هجوماً وثناء على برامجها، على رغم أن الغالبية أبدت ضيقها من التكرار وخواء المضمون المقدم، في حين اعتبر بعضهم أن الوقت لم يئن لنقد التجربة، معتبرين أن الخطوة بحد ذاتها «جيدة». من جانبه، انتقد أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور فهد الخريجي محتوى الإذاعات المحلية الخاصة، التي تعاملت مع الشاب السعودي على أنه «راقص»، من خلال الفواصل الغنائية الكثيرة وخاطبت الغرائز قبل العقول. وقال رئيس قسم الإعلام في جامعة الملك سعود سابقاً ل «الحياة»: «لا شك أن الانفجار الإذاعي الذي حدث أخيراً يعود بالإنسان إلى الحقبة الزمنية التي تسيدت فيها الإذاعات من خلال محتواها». وأضاف: «عند مقارنة الإذاعات المحلية بالولايات المتحدة الأميركية نجد أن عدد الإذاعات هناك وصل إلى 5 آلاف إذاعة، في حين أن الإذاعات داخل المملكة لا تتجاوز 10 إذاعات، إلى جانب أن وظيفة الإذاعة هناك خدمية، تخدم الأهالي المحيطين بها وتستهدف جمهوراً معيناً». وتابع: «أما إذاعاتنا فلم تصل إلى ما نصبو إليه كمتخصصين في مجال الإعلام، فيفترض على الإذاعات الجديدة أن تخرج في إطار قريب من المجتمع، وتحقق قيماً اجتماعية، وتقدم خدمات يومية مثل حركة المرور والقضايا الاجتماعية ومناقشة البطالة والمشاريع البسيطة، إضافة إلى أن من المفترض أن يكون الإعلان المطروح محلياً، خاصاً بأهل المدينة التي تبث منها، فضلاً عن التفاعل بين المستمع والإذاعة». وأشار الخريجي إلى أهمية لغة الخطاب المقدمة في الإذاعة ومدى قربها من المجتمع السعودي بصفة عامة، «وليس كما يحدث حالياً، فإذاعاتنا تخاطب الشاب السعودي على انه راقص»، منتقداً ما يحدث حالياً من استخدام النساء في الإذاعات لجلب الجمهور. واعتبر أن النقطة الأهم أن تخاطب الإذاعات العقول قبل الغرائز «وهذا يعود إلى كثرة الموسيقى والأغاني التي تغطي بها الإذاعات عيوبها»، مشيراً إلى «البدائية والبساطة وقلة الخبرة» تغلب على معظمها «إذ لا توجد لدى غالبية المذيعين المهارات للتواصل مع المستمعين وتبادل الحديث، إضافة إلى اللغة الركيكة المستخدمة من بعض المذيعين ناقصي الخبرة». ويسلط الخريجي الضوء على أحد الحلول، وهو «التخصص»، حين يقول: «التخصص في مجال محدد ومعين للإذاعات مطلب رئيسي لنجاح أي إذاعة، فغالبية الإذاعات الموجودة حالياً لا تعرف أهدافها، وما تقدمه ليس سوى فقاعات بسيطة». وزاد: «لا بد لكل وسيلة إعلامية و إذاعية أن تبني خبرتها وخطوطها الرئيسية على تجارب الإذاعات الأجنبية العريقة». من جهته، اعتبر أستاذ الإعلام الدكتور عبد الرحمن بن نامي أن نقص الخبرة وتجاهل التوصيات المطروحة من الخبراء أوقعت بعض الإذاعات في «فشل إعلامي»، واصفاً تلك الإذاعات ب «المهاجرة» التي تكرر بعضها بعضاً خوفاً من الوقوع في الفشل. واعتبر وكيل قسم الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالرحمن بن نامي أن الإذاعات المحلية تفتقد للمحتوى الإعلامي الشامل، المتعلق بفئات المجتمع، كما أن القائمين عليها تجاهلوا توصيات بعض الباحثين المختصين في المجال الإذاعي لتطوير مشاريعهم، وهو ما تسبب برأيه في «عزوف كبير عن الاستماع لها»، لكنه لم يستثن عامل انتشار القنوات الفضائية في المملكة، التي سحبت منذ فترة البساط. ولفت إلى أن الإذاعات الجديدة «لم تأت لسد حاجات ورغبات المستمعين، وركزت على العامل الاقتصادي والاستثماري فقط، ولعل قلة الخبرة في هذه القنوات - فمعظم القائمين عليها شباب تنقصهم الخبرة – والخوف من الفشل، جعلت بعضهم يعتمدون على اقتباس تجارب برامج سابقة، وإضافة مسميات أخرى يدخلون من خلالها للمجتمع في محاولة لضمان النجاح، لذلك لا يجد المستمع جديداً». وانتقد ابن نامي خطاب الإذاعات المحلية، وشرح ما يعنيه بوصفها ب «الإذاعات المهاجرة»، بقوله: «الخطاب كان مقتصراً على الجانب العاطفي والغرائزي، فهي تركز على الجانب الترفيهي والرياضي والفني بالدرجة الأولى، وهم يعتقدون أن هذه هي مطالب الشباب عامة». لكن أستاذ الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود يرى أن «العكس صحيح»، ويضيف: «وجهت لشريحة من الشباب فقط، وأهملت الشرائح الأخرى، وغيبت كبار السن الذين كانوا الوحيدين المرتبطين بالإذاعة». تباين المستمعين ربما كان فهد الحارثي أحد أولئك المستهدفين، عندما يقول: «استخدمت الإذاعات الجديدة نمطاً معيناً ولغة محببة لي كشاب، على عكس ما كان في السابق، إذ كانت اللغة معقدة والطرح مقولباً». ويضيف: «حالياً، هذا ما أطمح إليه كشاب، أن أفهم ما يدور حولي، ويخاطبني باللغة التي أفهمها وطرح مشكلاتي وما يهمني، إضافة إلى شعوري بأن الذي يدير الحوار يحمل الأفكار واللغة نفسها، ما يدل على وجود علاقة تفاعلية بين المستمع والمذيع». فيما يخالفه صديقه راكان العنزي الذي يرى أن الإذاعات «لم تتغير»، ويضيف: «الطرح ذاته، والأفكار مكررة، والفواصل الغنائية الكثيرة تصيبك بالملل. وأعتقد بأن كل شخص يود الاستفادة من معلومة أو فكرة جديدة عندما يستمع للإذاعة، أما ما يحدث حالياً فهو أن الإذاعات تقلد بعضها بالمضمون والمحتوى ولا جديد يذكر ليشكر». في حين يرى المواطن سليمان الشريف أن الإذاعات بدأت تدخل حيزاً كبيراً في حياة كل شخص، وفي بعض الأوقات أقطع مشاهدتي للتلفاز لمتابعة برنامج إذاعي، إذ أرى أن بعض البرامج تحمل ما هو جديد».