للمرة الأولى يعير العالم اهتماما لليمن بفضل محاولة فاشلة قام بها تنظيم القاعدة لتفجير طائرة ركاب أمريكية. واجتمع مانحون غربيون وعرب في لندن الأسبوع الماضي ليترجموا قلقهم من التهديد الذي يمثله المتشددون الذين يتخذون من اليمن مقرا لهم إلى مساعدة عملية لحكومة الرئيس علي عبدالله صالح. واذا كانوا يريدون تقليل خطر شن مزيد من الهجمات مثل المحاولة التي وقعت في 25 ديسمبر(كانون الأول) لتفجير طائرة متجهة الى ديترويت سيكون عليهم بذل جهود متضافرة وطويلة المدى لمساعدة اليمن على وضع حد للفقر والصراع والفساد وكلها عوامل يتغذى عليها المتشددون الإسلاميون. والمهمة حساسة ومثبطة للهمم كما لمحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. وقالت "يجب أن يتصدى اليمن للتحديات التي يواجهها" وحثت حكومة صنعاء على إجراء إصلاحات ومكافحة الفساد وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار. وسعت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها إلى مساعدة اليمن من قبل لكن الاهتمام كان يفتر بعد تحقيق مكاسب أولية. وقال فيليب مكرام من وحدة التحليل المخابراتية بمؤسسة ايكونوميست في لندن "القاعدة في جزيرة العرب ظهرت في اليمن جزئيا لأن الولاياتالمتحدة أخذت تخفض دعمها بعد النجاح في سجن معظم (الجيل الأول) من الجهاديين." وعلى نفس المنوال توقفت جهود سابقة لتحفيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي في اليمن الذي يحتل المرتبة 140 من جملة 182 دولة على مؤشر الأممالمتحدة للتنمية البشرية، فقد تعهد مؤتمر للمانحين عام 2006 بتقديم 4.7 مليارات دولار لليمن لكن لم ينفق الا القليل من هذا المبلغ وأرجع هذا جزئيا إلى عدم قدرة اليمن على استيعاب التمويل. ولم يتعهد المانحون بمبالغ جديدة في لندن لكن جيران اليمن من دول الخليج العربية الثرية قالوا إنهم سيجتمعون في الرياض في 27 و28 فبراير/ شباط لبحث "الحواجز التي تعوق فعالية المساعدات" والتي تشمل الفساد قبل مناقشة الإصلاحات مع حكومة صنعاء. وقال مكرام إن الدول الخليجية المنتجة للنفط معرضة للمخاطر الأمنية التي تتسرب من اليمن غير المستقر بشكل اكثر مباشرة من الغرب. وأضاف "ستلحق بها الخسارة الأكبر اذا فشل اليمن وستجني المكاسب الأكبر اذا استطاعت منعه من السقوط من حافة الهاوية." من جانبه وعد اليمن بالعمل على تطبيق إصلاحات وبدء محادثات بشأن برنامج مع صندوق النقد الدولي. وقالت بولين بيكر رئيسة صندوق السلام ويتخذ من واشنطن مقرا له "هذه خطوة للأمام لكنها في الحقيقة لا تتعامل مع قضية انتشار الفساد على نطاق واسع... هذا أساس الخلل في الدولة اليمنية ويجب أن يكون جزءاً من جدول أعمال للإصلاح إذا كانت الدولة ستبدأ تتجه نحو الاستقرار." وظل صالح رئيسا لليمن لثلاثة عقود ويرجع هذا جزئيا إلى شبكة علاقات ومحسوبية معقدة للاحتفاظ بدعم القبائل القوية والنخبة بالجيش وقوات الأمن. وسيكون إقناعه بحل تلك الشبكة ووقف الأشكال الفجة للكسب غير المشروع من بين أصعب التحديات لجماعة إصلاحية دولية جديدة باسم "أصدقاء اليمن" من المقرر أن تبدأ عملها في مارس /آذار. وقال عبد الغني الأرياني المحلل اليمني المستقل إن إعادة الاستقرار تتطلب آلية للتنسيق من هذا النوع بين المانحين الغربيين والخليجيين خاصة السعودية. وأضاف "بهذا أصبح العالم الآن حليفا لليمن في التعامل مع تشوهات هيكلية عميقة في نظامه السياسي، هذه فرصة يجب الا تهدر." ويبدو أن الغرب استمع لرسالة الحكومة اليمنية بأن التركيز الأمني المحدود على القاعدة لا يستطيع إنقاذ دولة تعاني من تمرد الحوثيين في الشمال واضطرابات انفصالية في الجنوب. ويذكي ضعف الاقتصاد هذين الصراعين، ويقدر رئيس الوزراء اليمني علي محمد مجور أن نسبة البطالة تبلغ 35 في المئة. ويتراجع إنتاج النفط كما تهدد أزمة للمياه مستقبل 23 مليون يمني يزيد عددهم باكثر من ثلاثة بالمئة في العام. وقالت مذكرة لصندوق النقد الدولي عن اليمن الأسبوع الماضي "إنتاج النفط الخام الدعامة الأساسية لعائدات الحكومة وصادراتها في تراجع منذ عام 2000 . اذا لم تحدث اكتشافات كبيرة فإن احتياطيات النفط القابل للاستخراج ستستنفد في فترة قصيرة نسبيا." وأضافت أن صادرات الغاز الجديدة ستخفف حدة مشكلة تراجع إنتاج النفط لكنها أشارت الى أن انخفاض أسعار الخام وإنتاجه اللذين يتزامنان مع ضعف الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات من الخارج عوامل تمثل ضغطا على الأوضاع المالية الداخلية والخارجية لليمن. وقال كريستوفر بوسيك الباحث بمعهد كارنيجي للسلام الدولي إن القوى الغربية اتخذت خطوة أولى مهمة عندما اتفقت على التعاون في مواجهة مشكلة اليمن. وأضاف "يجب أن يتبع هذا إجراءات ملموسة مستمرة وشاملة. التركيز على التحديات المنهجية التي تواجه اليمن بما في ذلك الاقتصاد المتداعي والمحن الامنية المتعددة للبشر ضرورة لمعالجة المشاكل التي تغذي التشدد." وقال إن بدون مساعدة دولية لحكومة صنعاء "لن تظل مشاكل اليمن داخل اليمن." ويقول مسؤولون يمنيون إن نحو نصف اليمنيين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم ويستغل تنظيم القاعدة يأسهم. وقال مكرام المحلل في وحدة معلومات المخابرات بمؤسسة ايكونوميست "في اليمن المال يغلب الايديولوجية... وبالتالي الاقتصاد أساسي للاستقرار. تفضل القبائل اليمنية أن تتوفر لها الخدمات العامة على أموال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والتشكك الذي يصاحبها. "اليمن ليس دولة فاشلة بعد. يمكن إنقاذه." وأزمات اليمن كبيرة وستستغرق أي جهود للإنقاذ عقودا وهو اختبار حقيقي لقدرة المانحين على الاستمرار. وقال جريجوري جونسن الباحث بجامعة برينستون إن القوى الخارجية حللت مشاكل اليمن تحليلا دقيقا فيما مضى لكنها لم تتعامل معها قط الا على المستوى الخطابي. وأضاف "لم تكن هناك استمرارية. في اليمن المقياس الوحيد للنجاح هو الاهتمام المستمر والمركز."