تضج بنا الحياة بمآسي ومشاهد مؤلمة لاتنتهي.. فما بين موت ووداع وفراق وطلاق تكون هناك ضحايا لا ذنب لهم ولا قوة.. سوى أنهم أبطال للمعاناة التي حلت..والتي أيضاً ستبقى تأثيراتها السلبية مستمرة على الدوام..أبناء المطلقات والأرامل.. جيل عانى كثيراً من مواقف الحياة الصعبة، وتحمل فوق طاقته، ولا يزال يبحث عن فرص للنهوض من "كبوة الزمن" وجروحه، فالبعض نجح بامتياز وتجاوز "محنة الفراق" وأصبح أكثر حضوراً على كافة المستويات المجتمعية، والبعض الآخر لا يزال يعاني..ويعاني إلى أن تحين فرصة أخرى للتغيير، وربما لا تحين.. فهذه أمل ذات الثالثة والعشرين ربيعا شاء الله ان يتوفى زوجها في حادث، ولديها ريان ذو الثلاث سنوات والنصف، وتعيش مع والديها وأخيها المتزوج في المنزل نفسه، ولديه ثلاثة ابناء، تقول أمل: كثيراً ما عانيت أنا وابني فلا ونيس لنا سوى "وسادتنا"، أحدثه دائما عن والده فهو لا يكف عن السؤال عنه خاصة وهو يرى سوء المعاملة ممن حوله، فيستحيل أن انسى منظر أخي وقد دخل هو وزوجته بملابس العيد مع ابنائه والفرحة تغمرهم ونظرة ابني التي من الصعب ان أنساها ما حييت، فأخي دائما مايأخذ ابناءه للتنزه والتسوق وذلك على مرأى من ابني دون ان يأخذه معهم، ووالدي ووالدتي دائما مايحملون ابني جميع أخطاء غيره فطلبات أبناء أخي ملباة من الجميع أما ابني فعند طلبه لأي شيء يقابل بالامبالاة، وأحياناً بالنهر والانزعاج، فلا أتمالك نفسي إلا ودموعي منهمرة فهو بلا نصير سوى الله تعالى، وهذا ما اثّر في نفسيتي ونفيسة ابني كثيراً، وكم اتمنى أن أعمل كي ألبي لابني جميع رغباته واستطيع ان استقل مادياً عن اهلي خاصة وإنني احمل الشهادة الجامعية.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ماهو وضع الأرملة والمطلقة وابنائهن في منزل أهاليهن؟، وكيف يمكنهن التغلب على الصعوبات والضغوطات النفسية المؤثرة عليهم؟، ولماذا لاتكون هناك جمعية تعنى بحقوق الأرامل والمطلقات وأبنائهن لتوفير سبل الحياة الكريمة، من خلال التعاون مع جميع الجهات الحكومية لما يخدم مصالحهم ومحاولة توفير الوظائف المناسبة لهن ولابنائهن للتخفيف ولو قليلا من معاناتهن؟. مطلقة تبكي أمام ابنائها بعد فراق زوجها وتحملها مصاريف النفقة مدمن مخدرات "انتصار علي" معلمة ومطلقة في الثلاثين من عمرها، تقول: لدي ابن وابنة هما كل حياتي فابنتي في الصف السادس ابتدائي وأخوها في الرابع، وهما متعلقان بأبيهما كثيراً وهنا ليست المشكلة، بل في أبيهما فهو مدمن مخدرات ويعيش في البيت بمفرده، واخاف على ابنائي كثيرا عند ذهابهم إليه خاصة ابنتي، فلا اعلم من هم اصدقاؤه ولو لم اسمح لهم بالذهاب إليه يهددني بأخذهم مني لذا اكتفي بتشديد النصح لهم دائما بأن لايتخاطبون مع الغرباء وأعطيت ابنتي جوالاً كي تحدثني عند الحاجة واطمئن عليها، أما عن حالتهم النفسية فهي مضطربة غير مستقرة، وكثيراً ما تحرجني اسئلتهم عن أبيهم، ولماذا هم ليسوا كغيرهم من زملائهم؟. واضافت:حالي عند أهلي ليست باحسن من حالي عند طليقي، فوالدي دائماً ما يدندن لي بأن لا اتعلق بابنائي كثيراً فمصيرهم لوالدهم وإنني لابد من أن أتزوج يوما ما واتركهم.. كلماته كالصاعقة تقع على قلبي فلماذا هذه المعاناة؟.. جمعية المطلقات والأرامل نورة حسين تحكي لنا معاناتها بعد وفاة زوجها، فتقول:توفي زوجي وتوفيت معه ابتسامتي وفرحتي، فلدي خمسة من الأبناء أعيش مع والدي وزوجته فوالدتي متوفية، ولم يهنأ لي بالاً، فانا دائما في مشاكل متتالية فأهلي لايتحملون أبنائي وأخطاءهم، إلى جانب ان ابني الأكبر في مرحلة مراهقة يحتاج من يوجهه ويرشده ويتحمله فهو يثور لأدنى سبب لا يجلس في البيت كثيراً، ودائما خارج المنزل، فقد ظننته سيكون سندا لي ولم ادر انه يحتاج من يسنده، وما ينقص ابني فعلا هو القدوة الصالحة والتي افتقدها فيمن حوله، فكم أتمنى ان تكون هناك جمعية تنظر في أوضاع المطلقات والأرامل وأبنائهم؛ اسوة بأسر السجناء. دلال زائد منى عيد أم لخمسة من الأيتام، تقول:توفي زوجي وأنا حامل في ابني الأخير، وانتقلت بعد وفاته للعيش مع والدي ووالدتي وأخواتي وأخي الأكبر هما يحبان ابنائي كثيراً ويقوما بتدليلهما وتلبية كافة طلباتهما مهما كانت، وهذا يضايقني كثيرا فابنائي لا يبالون بي وبنصائحي وليس لي أي سلطة أو كلمة عليهم فوالدي دائما ما يستنصر لهم؛ وقد تأثر مستواهم الدراسي كثيرا مابين لعب وزيارات فمنزل والدي لا يهدأ من الزوار لذا قررت ان استقل بمنزل لي ولأبنائي أقنعت أهلي ولكن مازالت نظرات المجتمع لا ترحم!. أحلاهما مر! ابتهال احمد مطلقة منذ خمس سنوات تحكي معاناتها مع طليقها وأبنائها، فتقول رحم الله والدي فقد زوجني من رجل يكبرني بخمس وعشرين عاماً، وعانيت معه كثيراً، ولم اتنفس الصعداء إلا بعد طلاقي منه فقد ارتحت أنا وزادت معاناة أبنائي فهم مشتتون ما بين منزل والدهم ومنزل والدي، فهناك معاناتهم مع زوجة أبيهم القاسية والتي تتأفف منهم دائما ومنزل والدي الذي يتثاقل من وجودهم ويحاسبهم على كل غلطة وزلة حتى لقمة الأكل محسوبة عليهم وما يزيد معاناتي أنهم لايتحدثون عما بداخلهم ويؤثرون السكوت والانسحاب عند أي موقف وهذا يقلقني كثيراً، كما أن ابنتي الكبرى تقدم لها خاطب حسن الخلق والدين ولكن والدها رفضه ليس لشيء وإنما لأنه من طرفي فقد دفع ابنائي ضريبة زواج فاشل وغير متكافئ من غير ان تكون لهم يد. مسؤولية مضاعفة من جانب آخر ترى الاستاذة هدى علاوي -أستاذة علم الاجتماع- أن غياب أحد الوالدين إما بوفاة أو طلاق له الكثير من المردودات السلبية على الأطفال، فالمرأة عند فقدانها لزوجها تتضاعف عليها الكثير من المسؤوليات والالتزامات وأهمها توفير الاستقرار النفسي والمادي لأبنائها، فالرجل الصالح يعتبر هو الركيزة الاساسية لبناء الاسرة وفقدانه يؤدي الى حالة من عدم الاستقرار النفسي والفكري والمادي، وهنا تكمن المسؤولية الكبرى للزوجة فهي التي تستطيع ان تحتوي أبناءها في ظل الظروف الاجتماعية التي قد تعيشها في منزل أسرتها أو في منزل مستقر بها من خلال توطيد علاقتهم مع ربهم أولا، ثم تربيتهم على المحبة بينهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم من خلال تحميلهم بعض المسؤوليات خاصة لمن هم في مرحلة المراهقة مع ضرورة الاستعانة برجل قريب لأبنائها سواء عم أو خال تثق به ليتقرب من أبنائها ويراقبهم خارج المنزل ومعرفة مع من يذهبون، مشيرة إلى أن مسؤولية الأم تزداد كلما كان المجتمع الذي حولها يسيء معاملة أطفالها الأيتام أو أبنائها بعد الطلاق من زوجها؛ لاسيما ممن يجهلون بعض تعاليمنا الاسلامية التي تدعو الى رعاية اليتيم والجزاء الذي يقابله فكيف إذا كان هذا اليتيم ابن ابنتهم الأرملة!.