السلوك المتحضّر لا يبزغ هكذا فجأة كنبات الفطر في الغابات أو العراجين في الصحاري بل تتوارث الأجيال أنماط سلوك مجتمعاتها .. وبتعاقب السنين وبروز المستجدات تتراكم التجارب ويصبح لكل مجتمع سماته وحين نسأل بتعجب عن تلك الفوضى العارمة في سلوك الناس هنا في بلادنا وعدم انضباطهم فهو بسبب عدم قبول هذا الوضع بأيّ حال من الأحوال، المُشكلة أنه كلما تقدّم بنا الزمن يزداد الوضع سوءاً وبالذات حالة المرور حيث لا حل يلوح في الأفق. دعونا اليوم نترك جانباً الحديث عن حرب الشوارع (حوادث السيارات) ولنركّز على سلوكيات القيادة وكيف يتعامل الناس مع قوانين المرور وماهيّة علاقات بعضهم ببعض وأسأل : هل يتذكر أحدكم أنه قضى ولو مشواراً واحداً سواء أكان سائقاً أم راكباً وهو مبتهج هادئ الأعصاب تكسوه علامات الرضا ؟؟ هل يتذكر أحدكم أنه قد مرّ عليه ولو يوماً واحداً دون أن يرَى سائقاً مخالفاً لقانون المرور، أو سائقاً أعطاه بكل أريحية الحق في المرور والعبور دون مضايقة أو تحد أو تعريض للخطر؟؟ متى آخر مرّه شاهدتم السيارات تقف خلف بعضها بصفوفٍ منتظمة في التقاطعات عند إشارات المرور ، ثُم تسير بكل سكينة دون إطلاق البواري لحظة إضاءة اللون الأخضر ؟؟ هل يتذكر أحدكم أنه سلك الطرق الدائرية في يومٍ ووجد مسارات الطوارئ الجانبية خالية من السيارات قد ترك الناس السير عليها لتسهيل مرور سيارات الإسعاف والإطفاء ودوريات المرور ؟؟ أيضا في الطرق الدائريّة متى سلكها أحدكم ولم يُضايقهُ أو يُرعبه من يلتصق بهِ من الخلف يؤشر بكل إلحاحٍ بأنواره الغازيّة المبهرة كي تُفسح له الطريق التي يناور فيها وكأنه يلعب (قيم بوي) ؟؟ من منكم لم يرتفع ضغطه وتثور أعصابه وهو يرى دوريات الأمن والمرور لا تهش ولا تنش حين تقع تلك الممارسات الفوضوية الخطرة أمام ناظري الضابط النظامي ؟؟ لن أسترسل في الأسئلة فقد اتسع فيما يبدو الشق على الراقع ولن يُجدي والحال كما أسلفت تزداد سوءاً إلاّ بابتكار لقاح يُهدئ من تهور الفرد ويجعل الإنسان آخر روقان، يُطعّمُ بهِ كل سائق يحمل رخصة قيادة، أما سائقو الليموزين فيجب حقنهم بهذا اللقاح صباح كل يوم .. غير هذا انسَ.