ونحن نستشرف آفاق العام الهجري الجديد 1431ه الذي أطل علينا منذ أسابيع قليلة، مستصحبين معنا إضاءات واشراقات العام المنصرم. ولعل من أهم هذه الإضاءات إن لم تكن أهمها على الإطلاق هو افتتاح جامعة الملك عبدالله للتقنية لأنها جامعة غير عادية، وانجاز تاريخي وصرح حضاري ودار للعلم ومنبر للسلام في بلد الإسلام ووطن الإيمان. لقد تنبه الملك عبدالله بن عبدالعزيز برؤيته الثاقية - الحضارية - وبعد نظره وتجربته القيادية والإدارية الضاربة في الجذور وسعة إطلاعه ووعيه العميق أن أساس نهضة الشعوب هو الاهتمام بالعلم والناغبين وإحساسه بأن توطين العلم والخبرة واستقدامها أنجع وأبقى وأكثر استقراراً وفائدة من طرق أخرى. لذلك فقد سعى - أيده الله - ومنذ توليه زمام أمور هذا الوطن خلال فترة السنوات القليلة الماضية إلى استكمال النقص في العلم بكل جوانبه من طريقين: طريق البعثات حيث بعث آلاف الطلاب والطالبات إلى أفضل جامعات العالم. وطريق آخر يفوق الطريق الأول بكثير وهو توطين العلم، من خلال إنشاء الجامعات العلمية المتخصصة التي تستقطب أفضل الكوادر وتكون لها البيئة التعليمية والاجتماعية والترفيهية المناسبة؟ دعوني أرجع للوراء قليلاً، فنتخيل كيف كنا قبل سبعين عاماً خلت، وماذا لو لم تقوم الدولة باستقدام الخبراء الأجانب للتنقيب عن البترول والمعادن؟؟ وماذا لو لم يتم تحديث التعليم في المراحل السابقة من نشأة الدولة السعودية في الخمسينات من القرن الماضي؟؟ وماذا لو لم تقم الدولة بفتح مدارس تعليم البنات في الثمانينات من القرن الماضي؟؟ كيف سنواجه ثورة العصر في الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ومدى خسارتنا في الثقافة؟ من هنا تأتي أهمية هدية خادم الحرمين الشريفين في إنشاء هذه الجامعة ليست في مبانيها ولا بيئتها العلمية الجاذبة بل في مساهماتها المستقبلية المنتظرة في تنمية الإبداع الإنساني وذلك من خلال استقطاب المواهب والكفاءات العلمية وإفساح المجال أمامها لإضافة المزيد إلى الحضارة الإنسانية بالبحث والابتكار في مجالات حيوية متعددة كالزراعة والصحة والتكنولوجيا والمياه والطاقة وتحقيق التنمية الاقتصادية والعلمية للبلاد. وهي منارة من منارات العلم والمعرفة ومشعلاً من مشاعل النور، وإحدى أكبر مؤسسات التعليم العالي في العالم أجمع. بوركت رغبة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في نشر فضيلة العلم وتعظيم الاستفادة منها قدر الإمكان. فقد اكتسبت جامعة الملك للعلوم والتقنية عالميتها من تركيزها على التخصصات العلمية الدقيقة. وتهدف هذه الجامعة إلى تحقيق العديد من الأهداف أهمها: دعم التنمية الاقتصادية في العالم على وجه العموم وفي المملكة على وجه الخصوص، وقيادة التحول نحو اقتصاد المعرفة من خلال التخصصات العلمية الدقيقة، وتوطين التقنية وصناعة تكنولوجيا المعلومات، حيث ينعكس ذلك التميز والتنوع إيجاباً على الاقتصاد الوطني من خلال الخرجين ومخرجات الجامعة التعليمية والمنتج النهائي لهذه الجامعة سواء من خلال الكوادر البشرية أو الأبحاث العلمية التي ستقام بها. وعلى تحقيق هذا الحلم وقد أصبح الحلم حقيقة تحسب للمملكة منارة العلم والتقدم. ويقيني أن هذا المشروع الحضاري العظيم الذي يقوده الملك عبدالله سيدخل المملكة إلى عصر جديد هو عصر التقنية والحداثة وهو اختصار لسنين طويلة مر بها التعليم في المملكة من ركود ومراوحة، وخرج اجيالاً لا تلبي حاجة الوطن في النهضة والتقدم. وبإذن الله وتوفيه سوف يسد هذه المشروع العلمي الحضاري حاجة البلاد من الكوادر العلمية في السنوات القليلة القادمة، وسيأتي يوم نذكر هذا التاريخ (23 سبتمبر 2009م) ونذكر صاحب الفكرة الرجل الشجاع ذو الأفق الواسع الملك عبدالله ونثني على قراره التاريخي عندما نرى علماءنا من الرجال والنساء يتقلدون أعلى المناصب العلمية ويبادرون بالاختراعات في كافة التخصصات.