إصابة فلسطينيين في رفح    15 حكماً يجتازون «دورة المستجدين» لكرة الهدف    القبض على مقيم بالمنطقة الشرقية لترويجه 3.4 كيلوغرام من مادة الشبو    القيادة تهنئ إمبراطور اليابان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    الملوك والأرض والشعب ثلاثية صنعت كياناً لا يتكرر    زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب جزيرة إنجانو بإندونيسيا    فعاليات متنوعة احتفاءً بيوم التأسيس بتبوك    «عكاظ» تنشر شروط مراكز بيع المركبات الملغى تسجيلها    دامت أفراحك يا أغلى وطن    أمير القصيم يزور فعاليات "ذاكرة الأرض"    علماء صينيون يثيرون القلق: فايروس جديد في الخفافيش !    انخفاض درجات الحرارة وتكون للصقيع في عدة مناطق    8 ضوابط لاستئجار الجهات الحكومية المركبات المدنية    رحالة غربيون يوثقون تاريخ مجتمع التأسيس    ذكرى استعادة ماضٍ مجيد وتضحياتٍ كبرى    وزير العدل: لائحة الأحوال الشخصية خطوة لتعزيز استقرار الأسرة    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يشرّف حفل سباق الخيل على كأس السعودية    ابتهاجاً بذكرى مرور 3 قرون على إقامة الدولة السعودية.. اقتصاديون وخبراء: التأسيس.. صنع أعظم قصة نجاح في العالم    تمنت للسعودية دوام التقدم والازدهار.. القيادة الكويتية: نعتز برسوخ العلاقات الأخوية والمواقف التاريخية المشتركة    مذكرة تعاون عربية برلمانية    الصندوق بين الابتكار والتبرير    ضبط وافدين استغلا 8 أطفال في التسول بالرياض    حاصر جنازة الشهيدة الطفلة ريماس العموري "13 عامًا".. الاحتلال يتوسع بسياسة الأرض المحروقة في الضفة الغربية    رئيس "النواب" الليبي يدعو لتأسيس "صندوق" لتنمية غزة    لا "دولار" ولا "يورو".." الريال" جاي دورو    هيئة الصحفيين تدشن هويتها الجديدة    الداخلية تستعرض الإرث الأمني بأسلوب مميز    تدشين «مجسم يوم التأسيس» في القصيم    في ذكرى «يوم بدينا».. الوطن يتوشح بالأخضر    تعزيز الابتكار في صناعة المحتوى للكفاءات السعودية.. 30 متدرباً في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإعلام    الاستثمار العالمي على طاولة "قمة الأولوية" في ميامي.. السعودية تعزز مستقبل اقتصاد الفضاء    مشروبات «الدايت» تشكل خطراً على الأوعية    الوسيط العالمي الموثوق به    جيسوس يُبرر معاناة الهلال في الكلاسيكو    موعد مباراة الإتحاد القادمة بعد الفوز على الهلال    "نيوم للهيدروجين الأخضر" تبني إرثاً مستداماً باستغلال موارد المملكة التي لا تنضب    النفط يسجل خسارة أسبوعية مع تلاشي المخاطر في الشرق الأوسط    الملك: نهج الدولة راسخ على الأمن والعدل والعقيدة الخالصة    الرافع للرياض : يوم التأسيس تاريخ عريق    نهج راسخ    الاتحاد يقسو على الهلال برباعية في جولة يوم التأسيس    جمعية رعاية الأيتام بضمد تشارك في احتفالات يوم التأسيس    افتح يا سمسم.. أُسطورة الآتي..    من التأسيس إلى الرؤية.. قصة وطن    125 متسابقاً يتنافسون على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن.. غداً    وزير الشؤون الإسلامية: يوم التأسيس يجسد مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخ مسيرة المملكة    «الفترة الانتقالية» في حالات الانقلاب السياسي.. !    فجر صناعة السيارات في السعودية    بنزيما: الاتحاد ليس قريبا من لقب الدوري    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينجح في زراعة منظم ضربات القلب اللاسلكي AVEIRTM️ الحديث ل"ثمانيني"    الحياة رحلة ورفقة    فريق الوعي الصحي التابع لجمعية واعي يحتفي بيوم التاسيس في الراشد مول    «الدباغ القابضة» تتقدم بالتهاني لمقام خادم الحرمين وولي عهده بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    الداخلية: ضبط (21222) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرتاح من لا تولَّع خاطره مع قوم الأدباش
احاديث في الأدب الشعبي
نشر في الرياض يوم 20 - 01 - 2010

ذكرتني السيول التي داهمت جدة وفضحت جهل المهندسين, وجشع ذوي الضمائر مسلوبة الإنسانية, ذكرتني هذه الأحداث المؤلمة بفياض تعبرها السيول في طريق عودتها إلى البحر, مصدر تبخرها, سحباً حملتها الرياح اللواقح إلى حيث أرسلها الله تعالى لتهطل أمطاراً تحيى الأرض بعد موتها, وتنبت الزرع وتدر الضرع, وتبعث في الديار حيوية تعود بالنفع على كل ذي كبد رطبة, وتنعش حياة أطفأها الجدب, وانتظر خيرها الحاضر والبادي. هذه الفياض أيها السادة تستقبل الأمطار والسيول وترسل الفائض منها بشيراً لمدينة جدة بروافد الفياض من الأقط واللبن والسمن والثمار ولحوم الماشية, فيمر هذا البشير في طريقه إلى البحر مشكلاً عبوراً جميلاً عبر ممرات تخذها لنفسه منذ القدم ولم يعترض على من اعتدى على هذه المعابر, لأنه يعرف طريقه ولا راد لمسيره. لم يكن الناس في جدة قديما قادرين على الخروج إلى تلك الفياض للاستمتاع بمظاهرها الجميلة كما يفعلون اليوم, إذ يذهبون إلى أبعد من ذلك خلال وقت قصير. إنها يسرة المواصلات وأمن الطريق.
وذكرتني هذه الأحداث أيضاً بما آلت إليه تلك الفياض من مصير ساهم في انحسارها وتخليها عن استضافة كميات كبيرة من السيول كانت تملأ جنباتها فتمتصها الأرض مستبقية فيضا من السيول تروي منه شجيراتها, وتحيك منه ألبسة جميلة ترتديها في موسم الربيع, فلا يذهب إلى البحر إلا ما زاد عن حاجتها, فيمر بجدة عابراً كليلاً يبحث عن الاسترخاء في البحر, فلا يهدم بيتا ولا يغرق طفلا, ولكنه اليوم يواجه غرور الإنسان بغضب وكبرياء القوة المتبرمة من التسلط على معابره وفياضه التي أصبحت مستعمرات من الحواجز الترابية التي تحدد مساراته, وتمنعه من الانفساح في تلك الفياض المتعطشة لمروره, والتي أصبحت حيازات مجزأة لمن يملك الجاه والمال, وحرمان من كان يعمرها من الرعاة والمزارعين من رسم لوحات تشكيلية من المضارب والماشية والفضاء الرحب الذي تعمره الحياة الفطرية.
إنها غضبة الماء من تسلط الإنسان واستهانته بقوى الطبيعة, ترى هل يغضب ماء البحر من تسلط الإنسان على شواطئ جدة وغيرها من المدن الساحلية واستئثار الأقوياء بتلك الشوطئ الجميلة وحرمان أصحاب الحق من سكان المدينة من الاستمتاع بالشواطئ التي ما كانت إلا حقاً عاماً لكل السكان, كما غضبت السيول من الاعتداء على معابرها؟ ذلك الحق الذي قد يسلب التنظيم شيئاً منه فيسمح بالتملك والاستثمار الجزئي للشواطئ ويترك للآخرين مساحات تحفظ ماء وجه المؤسسات المشرفة على الشواطئ.
نعم, أيها الهاجس الذي يردني إلى الأدب الشعبي بعد أن جذبتني المأساة إلى رحابها كما هي حديث المجتمع, لنعد إلى موضوعنا إلى تلك الفياض التي يخترقها طريق المدينة المنورة فيما بين عسفان ومشارف وادي فاطمة الغربية. فما أن تتجاوز هذه المشارف مغربا حتى تتسع حدقات عينيك يمنة ويسرة وأماماً فتمتع بصرك بجمال الطبيعة مروج وتلال خضراء ومضارب متباعدة وحقول بعلية وقطعان من الماشية, وشَّت الطبيعة ما حولها بكل جميل, كان ذلك منذ أن وجد الإنسان بهذه الأرض وإلى عهد قريب حتى نمت القرية والمدينة وذللت الآلة الصعاب فأخذت الفياض تنحسر أمام التوسع العمراني والتطلع الإنساني لاستشراف المستقبل الذي أخذ يغذ السير للقضاء على كثير من جماليات الحياة.
في هذه البقاع ومن بين جبالها وتلالها التي عبرت منها السيول إلى جدة تنتصب «ضلعان الخشاش» جبال ربما سميت خشاشاً لخضوبتها وكثرة نبتها, وبها مراتع جميلة, لكن الصيف يأتي بشواظه فيفر الرعاة إلى الأودية المجاورة حيث الماء وموسم الصيف في القرية التي تعمر بالعمل والتجارة والنخيل.
كان شاعر القرية يبتهج بموسم الصيف وتجمع الناس في القرية, وله أن يحب ويهوى, فالحياة هناك تهبه الإلهام والتعبير عما يثيره, وكل ما يجيش بصوره محفوف بأجل المعاني وأنقاها. إن المسافة بين قرية الشاعر وضلعان الخشاش لا تتجاوز كيلو مترات قليلة, ولكنها مسافة بعيدة في زمن ما قبل السيارة والهاتف.
قدم الرعاة من تلك الفياض وتفرقوا بين قرى وادي فاطمة وفق معارفهم ومصالحهم, قدموا كعادتهم وأخذوا يتجولون بين مزارع القرى لجلب الماء والعلف لمواشيهم, وجني الرطب من نخيل اشتروا ثمارها, ولكن أيام الصيف الممتعة تمر سريعة, وتخيم السحب ويهطل المطر على ضلعان الخشاش, ويعود الرعاة إلى هناك حيث المرعى وحياة البرية فلا يملك الشاعر إلا أن يعبر عما يختلج بين ضلوعه من شوق وحنين إلى من يحب, في أبيات من شعر المجرور, وردت في كتاب «الثمرات من المجالسي والمجرور والكسرات» للشاعر محمد بن علي الطيار رحمه الله. والأبيات رغم قلة عددها فكما يرى القارئ, مليئة بالصور الشعرية الجميلة, والمعاني الرقيقة الرفيعة, وأذكر أني طرقتها من قبل ولا بأس من طرحها من وجهة نظر شعرية أخرى, لتبرز الصورة التي سبقت الحادثة وكيف يشوه الإنسان الطبيعة.
يعزي الشاعر قلبه الذي يحترق شوقاً, ويصبره بالنسيان والنظر للمعاناة بالتجاهل ملتمساً الفرج من الله أن يجمعه بمن يحب، وأخيراً يلوم نفسه في تعلقه براعية تخال السحب أين تمضي فتمضي حيث تمطر ثم يصف أثر الفراق على نفسه فيشبه جسده وقد تحول إلى شبه شجرة الغاشية تلك الشجرة الطفيلية التي تلتف على الأشجار متسلقة نحو الضوء بالتفاف على فروعها. وحتى امتداد النظر نحو ديار المعشوقة لا يستطيعه لما يصيب عينيه من إرماش, ويحول البعد دون زيارة ديارها إذاً ليس له إلا أن يحمل الطير رسائل الشوق إليها.
وحتى لا أجزئِّ القصيدة أو الأبيات إليك قارئي الكريم الأبيات كاملة:
يا القلب خَلَّك على ما هو يجيك موسع الجاش
اصبر وخل المعاني كِاْنَّها شي وما شي
يا رب عجِّل علينا بالفرجْ ما عاد لي جاش
ما عاد لي جاش انا قد ايش ما يطّاق جاشى
يا الله يا رازق المخلوق من شي ومن ماش
يا معتني بالخلايق كلها قاعد وما شي
يا رافع الطير في جو السما بجناح ورياش
يا معتني بالذي ماله جناح ولا رياشِ
تلم بيني وبين اللي غدا ما عاد ينَّاش
اللي تناحت ضعونه يوم ضلعان الخشاشِ
مرتاح من لا تولع خاطره مع قوم الادباش
ولا تعنَّي ضميره مع مقدِّين المواشي
اللي ليا خيلوا بارق غدوا صوبه بمحواش
ينحون وان خيلوا يمطر من المزنة رشاشِ
وواروحى اللي تطوَّت من هوى معسول الارياش
كما تطوَّى على العيدان خيطان الغواشي
أن جيت أبي اقصر عيوني يِمّته تكثر بالارماش
وان جيت بازورهم نزله بعيد ولا يناشي
لكن يا طير بلِّغ ردِّتي لا جيت نطاش
سلم على اللي على فرقاه ما يطَّاق جاشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.