أكد عدد من الباحثين والمهتمين بعلم الآثار أن (الرواشين) تعد أجمل ما يميز عمارة الطائف التاريخية التي ارتبط تاريخها بالأثرياء، مستمدة ذلك من تاريخ الحضارة العمرانية الحجازية والرومانية. جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها الأستاذ عبد العزيز منسي العمري مدير مكتب الآثار بالطائف، وتولى إدارتها الإعلامي عطا الله الجعيد، وشاركه في التقديم من الصالة النسائية لطيفة العدواني، وكانت بعنوان " التراث العمراني في الطائف"، وحضرها عدد من المهتمين والباحثين بعلم الآثار والحضارة، وأعطى المحاضر في بداية المحاضرة لمحة عن التراث العمراني بالطائف والسدود والمباني والطرقات، كما استعرض الخصائص المميزة للتراث العمراني في الطائف. وأشار إلى أن العمران الحديث (النهضة العمرانية) جاءت على حساب التراث العمراني، فعلى سبيل المثال أخفى طريق الهدا – الكر الحديث الكثير من معالم الطريق الحجري بالهدا والذي كان يسلكه حجاج اليمن بطريقهم إلى مكةالمكرمة إلى الحج أو التجارة. ولفت إلى أن هذا التاريخ المعماري بالطائف يجسد انعكاسا لعدد من المفاهيم والقيم الاقتصادية والدينية والاجتماعية ، مستعرضاً عددا كبيرا من الآثار العمرانية التي تحتضنها الطائف كالقصور والسدود والآبار والحصون والأسوار التاريخية. وشهد اللقاء العديد من المداخلات التي أثرت المحاضرة وأضافت الكثير من الأبعاد والتي كانت بدايتها مع رئيس نادي الطائف الأدبي الثقافي بالطائف حماد السالمي الذي قدم أكثر من ملمح فيما يتعلق بآثار الطائف من خلال تقديمه لعدد من الشواهد والأدلة التي تؤكد وجود تلك الآثار ومسمياتها في السيرة النبوية المشرفة، كما أثار خلال مداخلته بعض الإشكاليات التاريخية لدى الحضور والتي تناولت موقع الطائف القديم قبل غزوه وفتحه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. من جانبها ناشدت الدكتورة آمنة القرشي بإيقاف التوسع العمراني على حساب الإرث العمراني وذلك بالمحافظة على المدينة القديمة داخل أسوار المدينة الحديثة على حد وصفها, ليأتي دور الدكتور عالي القرشي أستاذ الأدب والنقد بجامعة الطائف والذي وصف المحاضرة بالتثقيفية التوعوية والذي استبعد أن يكون هناك وعي تثقيفي تمارسه المؤسسات المعنية سوى بعض الجهود الفردية والمحاضرات التي يتبناها نادي الطائف الأدبي بهذا الخصوص ، فيما ذكر محمد سعد الثبيتي بأسماء عدد من المؤلفين والمؤرخين من أبناء الطائف الذين بينوا أبرز الملامح التاريخية بالمحافظة. كما شددت خديجة قاري على أهمية تنظيم زيارات تقوم بها المؤسسات التعليمية والتربوية للطلاب والطالبات بهدف اطلاع الناشئة على تراث الطائف التاريخي، في ظل ضرورة المحافظة على الموروث التراثي في عقول الأبناء، كما شاطرتها الرأي الدكتورة نائلة لمفون التي رأت هي الأخرى ضرورة فتح أبواب المتاحف والمباني القديمة إلى عامة الزوار للتعريف بالأبعاد التاريخية والحضارية التي تختزلها تلك الآثار بما يحقق الثراء الفكري والسلوكي الذي يطمح باستعادته كإرث وليس كأمر جديد مستحدث. قصر شبرا أحد أجمل المباني التاريخية في الطائف وعرج بعد ذلك المؤرخ عيسى القصير على عدد من المباني الأثرية التي أزيلت منذ عام 1400ه بكامل مكنوناتها وسياقاتها العمرانية والتاريخية والتي تزيد على 4000 مبنى قديم نتيجة التوسع الحضاري المعاصر. فيما ذهب الدكتور صالح الثبيتي للحديث عن القرية والتي وصفها بمنبع الحب والشعر والأحاسيس بما تحمله من كنوز تراثية وعمرانية والتي وجب الالتفات إليها تراثيا وسياحيا على حد وصفه. ثم بدأت هند العدواني مداخلتها بالتذكير بدور عالم الآثار والمؤرخ الدكتور ناصر الحارثي - رحمه الله - الذي نذر حياته للبحث والتأليف فيما يزيد على 40 مؤلفا و80 بحثا قام بتأليفها طيلة حياته عن علم الآثار والعمران في منطقة مكةالمكرمة ومدينة الطائف على وجه الخصوص، في بادرة جميلة أعادت الكثير من الحضور لتذكر جهود الحارثي – يرحمه الله - في هذا الجانب، واصفة إياه بابن الطائف البار، ليأتي ذلك دليلا قاطعا بما يكنه أبناء الطائف للباحث من حب وتقدير وبما يجسد ملامح اللحمة الثقافية والأدبية والاجتماعية بين المثقفين. ورأت ضرورة وجود ما يشجع المؤلفين على بذل مزيد من الجهد في تأليف منشورات وكتيبات بأسلوب سهل ومبسط يجسد ملامح تلك الآثار ويكون في متناول الجميع، كما ذكرت جانبا من جهود الدكتور ناصر الحارثي رحمه الله في البحث والتأليف والتي ساهمت بشكل فعلي وواضح في تفعيل الوعي السياحي والأثري. ثم علق الدكتور عبد الباسط السالمي على تفعيل الوعي الزراعي والاهتمام بالقنوات المائية في منطقة الوهط والوهيط والمثناة، وأكد في ذات الوقت بأن حصون الطائف لم يتم بناؤها بسواعد أجنبية كما قيل بل بأيدي أبنائها من ثقيف وهوازن. من جانبه أوضح الإعلامي هلال الحارثي أن الطائف تستمد عبقرية مكانها من موقعها الاستراتيجي بالقرب من مكةوالطائف، وعرج على مكانة الطائف الاقتصادية والجغرافية ووصف تلك المنزلة بعبقرية المكان، مشيراً إلى اكتساب تاريخ الطائف العمراني من التاريخ الحجازي والروماني الذي ضم العديد من الكنوز التاريخية، مؤكدا على ضرورة ربط نقوش الطائف التاريخية بهذا الفن المعماري. فيما كانت آخر المداخلات من قبل الدكتور عاطف بهجات الذي أكد بدوره على أن التراث المصنوع لأيدي البشر في مدينة الطائف هو امتداد للحسن الجمالي والرباني الذي حبا الله به هذه المدينة، مشيرا في ذات الوقت إلى أن التراث العمراني بحاجة إلى نفض غبار التاريخ عنه والى ضرورة تسويق التاريخ العمراني والتراثي القديم للآخرين بالشكل الذي يتناسب مع روح العصر ومتطلباته ليتمكن الآخر من فهم ذلك المنتج وتلك الحضارة العريقة بالشكل الأمثل الصحيح.