مثخن قلمي بوخز الألم، ومثقلة محبرتي بغصص تخنق أنفاس الورق من قبل حتى أن تعانقه.. فماذا عسى الحبر أن يقول؟؟ وبماذا يمكن أن تنطق الكلمات؟؟ وعم يمكن للأوراق أن تبوح؟؟ عنك أنت يا والدي.. فما هذه بكلمات ولا أحبار.. إنما هي قطع من روحي سكبتها حبراً على ورق.. وأنا أعلم بأنها لن تعانق عينيك أبداً: والدي.. أيا نبضاً ما فتئ يستيقظ في عروق فاتحة كل يوم ليمدني دفء الحياة.. أيا صوتاً ما زال ينكسب في وجداني ويثير في دواخلي زوابع من طموح لم تقف الأيام على وأده.. أيا وجهاً ما غاب عن ناظري.. آراه في وجه أمي الغالية.. أراه في ورقي.. وحنايا نفسي.. آراه كحلم رقراق لا أود الاستيقاظ منه أبداً.. آه آه.. رحلت يا والدي.. ورحل معك كل معنى للفرح... رحلت فاستنفرت الأيام حزناً في أعماقي لن تقوى محوه وإن تطاول بها الزمان.. رحلت.. ولكن بعد أن شيدتَ في داخلي خبرات كثيرة.. رحلت.. بعد أن محوت من أمام خطواتي ضبابية الطريق.. وعشوائية المسير.. رحلت.. بعد أن أسقيتني عصارة فكرك... وغذيت خلاياي بخلاصة عملك.. وطبعت على شخصيتي بصمات شخصك الفاضل العظيم.. رحلت.. بعد أن علمتني كيف أحرث بيدي في سواد الليل بغية العثور على بياض أحصده في النهار.. فقد اعتادت يداك احتضان يدي أيام النحت على صخور الصعاب.. فما بال يدي اليوم تمتد وحيدة مرتعشة.. والدي.. يا ذلك الكيان الساكن وجداني أبداً.. وذلك النبض المتدفق في أوردتي مع كل ضخة أمل بلقائك في مستقر رحمته.. أشعر بكلماتي عاجزة أمام فضلك العظيم.. أخالها مشلولة المعنى فلا تكاد تجزئ جزءاً من عطاياك.. وأنى لها ذلك.. فاعذر أبجديات لغتي إن اختلفت وقصرت.. فمهما بلغت من الفصاحة والبيان فلن تزن ذرة شكر في ميزان ما قدمت وأغدقت وأجزلت.. فليس لي إلا أن أتجه إلى المولى العلي القدير ضارعة إليه أن يغدق عليك من سحائب رحمته.. وأن ينزلك فسيح جناته.. وأن يدخلك مدخل صدق مع عباده وأحبابه وخاصته.. إنه جواد كريم. ❊ ما مضى من سطور، كلمات تحكي ما بداخلي تجاه الفقيد الغالي والدي الشيخ محمد بن ناصر المفيريج والذي مضى على وفاته عامان وتحديداً في 19/1/1429ه. جامعة الأميرة نورة