عندما هبت رياح باردة على وجهه حدق فيكتور فاست في صفوف الثكنات المتهدمة في الجليد بوسط قازاخستان حيث تحمل والداه الى جانب ملايين الألمان من أصول روسية سنوات من القسوة في معسكرات العمل السوفيتية.كانت جريمتهم الوحيدة... أنهم ألمان. ويقول فاست (58 عاما)الذي اتهم أفراد أسرته بالتواطؤ مع النازيين في الثلاثينات على الرغم من أنهم عاشوا في روسيا قرونا كمزارعين عاديين "كان وقتا مريرا.لم يكن وقتا طيبا بالنسبة للألمان". ويسكن فاست الآن في فرانكفورت ويتردد كثيرا على هذه البقعة النائية لإحياء ذكرى من لاقوا حتفهم هنا في إطار عمليات التطهير التي كان ستالين يقوم بها. وتوفي الملايين ومن بينهم أشخاص من أصول ألمانية ومعارضون روس بين عامي 1930 و1960 حيث لم يستطيعوا تحمل التضور جوعا والتعذيب في شبكة من معسكرات العمل المتناثرة من التندرا القطبية الى سهوب قازاخستان. وانسحق الجليد تحت قدم فاست بينما كان يتجول في دولينكا وهي قرية في قلب نظام معسكرات العمل السوفيتية السابقة بقازاخستان والتي لم يبق منها شيء سوى بقايا من الأسلاك الشائكة وثكنات متهدمة متناثرة تحول كثير منها الى منازل لتذكر الزائرين بماضي دولينكا. وبعد مرور عقود جرى الاعتراف دوليا بأن حملة الإرهاب العظمى التي شنها ستالين واحدة من اكبر الجرائم ضد الانسانية. غير أن ناجين ونشطاء يأسفون لما يعتبرونه إحجاما من روسيا عن مواجهة أهوال ماضيها. وقال فاست متحدثا بالروسية بلكنة المانية "الناس لا يحتفظون بذكرياتهم... 70 عاما من السياسات السوفيتية محت ذكرياتهم." وفيما تجادل موسكو بشأن دور ستالين في تاريخها فإن نشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الانسان اتهموا روسيا في عهد فلاديمير بوتين الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي بمحاولة تحسين صورة تركة الدكتاتور حيث حولت عمليات التطهير التي قام بها ستالين الى فصل منسي من التاريخ السوفيتي. وليس هناك جدل يذكر بشأن معسكرات العمل في روسيا اذ اختير ستالين ليكون ثالث اكثر شخصية في روسيا شعبية في التاريخ من خلال استطلاع للرأي جرى على مستوى البلاد العام الماضي. وفي الآونة الأخيرة جرى ترميم عبارة تشيد به على حائط محطة للمترو في موسكو حيث وضع الشيوعيون الأكاليل احتفالا بذكرى ميلاد ستالين في جورجيا قبل 130 عاما. وتقول يكاترينا كوزنيتسوفا (71 عاما) وهي باحثة بارزة في معسكرات العمل السوفيتية السابقة "هناك جهد يسير ببطء لتبرير ما فعله ستالين والترويج لمزايا حكم القبضة الحديدية وهذا مثار قلق كبير... لكن التاريخ ماكر. يميل لتكرار نفسه." والعدد المحدد لمن توفوا في معسكرات العمل بقازاخستان التي تعرف إجمالا باسم (كارلاج) غير واضح. ويتراوح إجمالي عدد القتلى في معسكرات العمل من 1.5 مليون الى 20 مليونا. ويصف سكان دولينكا السهوب المحيطة بأنها مقبرة جماعية كبيرة. وتتناثر علامات القبور في أحد الحقول حيث دفن مئات الأطفال الذين وصفوا بأنهم "ذرية أعداء الشعب." وجاء في مذكرة عام 1943 لجهاز الأمن السوفيتي الذي كان يعرف باسم (إن.كيه.في.دي) "معدل الوفيات بين السجناء زاد زيادة حادة في كارلاج... بعد قضاء نوبة عمل في الصقيع لا يستطيع كثيرون الاستدفاء في الثكنات الباردة... ويموتون دون تلقي مساعدة طبية." وتخيم تركة ستالين مثل سحابة سوداء على هذا الجزء من قازاخستان تلك الدولة الشاسعة التي اعتبرها الحكام السوفييت نائية بدرجة تكفي لتجربة مئات القنابل النووية وحبس المعارضين. ويهيمن تمثال كبير لفلاديمير لينين الزعيم البلشفي على مدينة كاراجاندي القريبة التي أنشأ سجناء بمعسكرات العمل الكثير من مبانيها التي ترجع الى عهد ستالين. وهناك نصب تذكاري رخامي صغير للغاية لضحايا معسكرات العمل في متنزه محلي. وبعد مرور 20 عاما على استقلالها تسعى قازاخستان نفسها جاهدة للتصالح مع ماضيها لحرصها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع روسيا اكبر شريك تجاري لها. ويشعر كثيرون بالغضب من إحجام حكومتهم عن تجنب التركة السوفيتية في قازاخستان التي لقي فيها اكثر من مليون مواطن حتفهم في معسكرات العمل وخلال المجاعة التي شهدها الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات. وفي الأسبوع الماضي احتشد المئات في الما اتا لاتهام الحكومة التي احتفظت بأسلوب سوفيتي في الحكم بأنها لم تبذل ما يكفي من الجهد لاحترام الماضي. وقال اخيم شميلين وهو باحث من المانيا ذهب الى دولينكا لزيارة نصب تذكاري لضحايا معسكرات العمل "إنه موضوع صعب. يمكنني القول إنه من المحرمات. "العلاقات مع روسيا مهمة جدا. من الصعب عليهم اتخاذ الموقف السليم وتحديد هويتهم." وتنفي روسيا الاتهامات بأنها تحسن صورة نظام ستالين الشمولي. وفي اكتوبر "تشرين الأول" قال الرئيس ديمتري ميدفيديف إنه يجب عدم التهاون مع جرائم الماضي.