كان البيت يعج بالحميمية، أبنائي بجواري، وأمامنا التلفاز الذي يقلب لنا صفحات العالم وقد اكتظ عن بكرة "ريموته" بالأخبار والأحداث، مما يثير شجن الحوار مع عائلتي الصغيرة والمباركة، وإذ الدكتور عبدالله الربيعة وزير الصحة يملأ شاشة التلفاز بحيويته وتطلعه ونشاطه المعهود، كنت سأقول لعائلتي إن هذا الوزير هو أمهر طبيب في العالم في فصل التوائم السياميين إلا أنني أحجمت عن الحديث في ذلك خشية أن يتفرع الحديث لأسئلة عن هذا النوع من التوائم فلا أعرف الإجابة على أبنائي الغالين ومنهم من دخل سن الشباب، كان معاليه في الخبر يتلقى اللقاح الخاص بدفع انفلونزا الخنازير إن شاء الله، وكنت أجلس بين سيل من الأحاديث الأسرية بفرحة تنز من عيون أبنائي وتنسكب في كل أرجاء البيت ناشرة طمأنينة مسرفة، أحسست للحظة كبيرة أيضاً بأن الوزير في تلك اللحظة هو أحد أفراد أسرتنا لإحساسه الرفيع والشفاف بتلك الريبة التي عاشتها العائلة السعودية حول لقاح إنفلونزا الخنازير، فالوزير الحقيقي – كما أعتقد هو من يتساوى ارتفاع كرسيه مع ارتفاع طاولته فلا يعلو المنصب فوق هموم المواطن وتفاصيله الصغيرة، نعم.. بعض المسؤولين لفرط شعورهم بالمجتمع تشعر كأنه فرد من أفراد أسرتك، تستيقظ صباحاً وتقوم بأعمالك التجهيزية الاعتيادية ليوم طازج وحين تفتح وسيلة إعلامية تجد هذا الوزير يتحدث فيها عن أفكار وموضوعات كنت وأقاربك أو أصدقائك أو عائلتك والشارع العام تتحادثون فيها وعنها ليلة البارحة، فقد كان الدكتور الربيعة قريباً منا أنا وأبنائي وموشكاً على مجموعة الاسئلة غير المجابة عن ضيفنا المريب لقاح انفلونزا الخنازير، فبقينا مع معاليه نتجول معه أنا وأبنائي ونستمع لكلامه الأخوي مع معاونيه وموظفيه، أما الاسئلة غير المجابة فذهبت من غير رجعة بعد أن لقح الربيعة كل شكوكنا بالحقيقة، وظهر يطمئن الجميع في صورة أبوية وأخوية مستلة من تاريخ مجتمعنا السعودي المترابط، انتصر الدكتور الربيعة وفصل بين توأم المرض والشك باللقاح وأعراضه الجانبية المخيفة والمنتفخة بإشاعات وشبه أقاويل لا تستند إلى مرجع طبي أو علمي موثوق، لكنه مخيف، كان المشهد التلفزيوني المعروض كبيراً بدلالاته، وطويلاً بإشاراته، وأيضاً كان مؤثراً ومقنعاً. الموقف الطريف أن ابنتي الكريمة عندما شاهدت معالي الوزير وهو يلقح ابنته الكريمة بنفس اللقاح المضاد للمرض، قالت لنا أنها قرأت في الانترنت أن لبنت معالي الوزير توأم فهل الدكتور الربيعة نفسه هو الذي فصلهما، فضحكنا جميعاً ليغدق الموقف مسحة من الطرفة. أخيراً إن فرحة نجاح معالي الوزير الرؤوم بإقناعنا باللقاح الجديد في بداية قوية لانضمام وزارة الصحة لهموم المواطن بدل أن يكون بالنسبة لها مصدر المرض والألم والوجع والشكاوى والشك بأمكاناتها والتكلفة المحسوسة وغير المحسوسة، شكراً معالي الوزير على (معالي) حكمتك وحنانك.