من المؤكد أن د. شكيب الجابري (1912- 1996 ) لم يدخل كروائي على مساحة خاوية من الفن الروائي ، لان هذه الساحة كانت قد عرفت بشائر هذا الفن منذ أوساط القرن التاسع عشر مع رواية و "غاية الحق" لفرنسيس مراش عام 1865 في حلب ، و " زينب" لحسنين هيكل في مصر و " حواء الجديدة " وروايات أخرى لنقولا حداد في مصر و " الرغيف " لتوفيق يوسف عواد في لبنان ، ثم " سيد قريش " لمعروف الارناؤوط في دمشق وغيرهم ... لم تكن ساحة عامرة بالكتاب ، كما هي الآن ، غير أن هذا الفن الأدبي كان قد أعلن عن حضوره متأثرا بالفن الروائي الغربي . ومن هنا يمكن وضع إنتاج شكيب الجابري في هذا السياق كرائد أسهم إلى حد ما في تقديم الفن الروائي العربي وتكامله ، فعلى الصعيد الزمني يعود مثلا إصدار روايته الأولى " نهم " إلى عام 1938 وهو عام مبكر بالنسبة للإنتاج الروائي السوري والعربي على حد سواء ، فنجيب محفوظ مثلا كرائد متفوق في الرواية العربية لم يدخل هذه الساحة إلا ككاتب قصص قصيرة أولا في مجموعته " همس الجنون " عام 1938 أما نتاجه الروائي فقد تأخر إلى العام التالي في رواية " عبث القدر " التاريخية ، وتأخر دخوله أيضا إلى ساحة الرواية الاجتماعية حتى عام 1945 ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الجابري كان مسكونا بهاجس الكتابة الروائية وان طاقاته الفنية كانت تنضح أكثر فأكثر من عمل لآخر وخاصة أن تجاربه الحياتية كانت من الغنى والزخم في درجة عالية قادرة على مده بالموضوعات الجديرة ، لكن موهبة الإبداع الروائي كما يبدو كانت تنافسها مواهب أخرى لا تقل عنها جدارة وأصالة في العمل الوطني والسياسي والإعلامي والمهني والعلمي ، مما شغله بعدد كبير من التحديات والمسؤوليات كما تشهد سيرته الذاتية الحافلة .. أنجز الجابري أربع روايات هما : "نهم"، "قوس قزح"، "قدر يلهو"، "وداعاً يا أفاميا" ، واهتمت جميعها بالحوار بين الشرق والغرب وبالأسئلة المتعلقة بانكشاف مشروع النهضة العربية والثقافة العربية في علاقتها بالثقافة والمجتمع الغربي.. يعد شكيب الجابري أحد رواد ومؤسسي الرواية السورية، ولد في مدينة حلب السورية عام 1912، درس العلوم في جنيف وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء والتنقيب عن المعادن، عاد إلى سورية في عطلة الصيف، فاصطدم بقوى الانتداب وتم سجنه ، وفي عهد الوحدة السورية المصرية حُرم الجابري من الحقوق المدنية وتمت مصادرة أمواله ونفي خارج سورية بسبب وقوفه في وجه مخططات عبد الناصر التي كادت أن تودي إلى تفتيت سورية اجتماعيا واقتصاديا ، فذهب إلى السعودية، ومن هناك إلى بيروت حيث عمل مستشاراً للإعلام السعودي في بيروت وكتب كتابه السياسي "يومان لا يتشابهان"، وفي العام 1973 سمح له بالعودة لسورية ، وبقي فيها حتى رحيله عام 1996. وزارة الثقافة السورية وفي إطار مشروعها لتقديم أعمال الراحلين والمبدعين قامت ً بإصدار الأعمال الروائية الكاملة للدكتور شكيب الجابري.