تعرض النموذج التنموي في دبي لسحجات وكدمات عنيفة. هذا النموذج كان قائماً على لعبة ممتلكات تحولت إلى فقاعة تعرضت للانفجار. فقد استند هذا النموذج على أساس من النفوذ المدعوم بسيولة عالمية كبيرة في أوج ما قبل الأزمة المالية العالمية. وقد ساعدت الطفرة العمرانية الطموحة على أن تتبوأ دبي موقعها على خارطة العالم. ومن ثم لا ينبغي أن يندهش قادة دبي من أن أنظار العالم كانت متجهة إليهم، لا سيما وأن دبي ظلت لسنوات عديدة تعمل على استقطاب اهتمام العالم بها. بيد أن النخبة من صناع القرار في دبي أظهروا افتقاراً إلى الشفافية والصراحة والوضوح خلال الأيام الماضية؛ حيث استمروا في إنكار ضخامة مشاكل مدينتهم. لم يسبق للمحللين قط أن شككوا صراحةً في البيانات والمعلومات الصادرة من دبي. وإذا كان من دأب الأسواق الناشئة أن تواجه دائماً تحديات تتعلق بالبحوث والدراسات فإن المحللين ينزعون في الغالب إلى ممارسة الرقابة الذاتية. وبناءً عليه فإن انسياب المعلومات من دبي كان يتم بصورة غير عادية من طرف واحد من غير أن يعترض عليه أحد. أما المحللون الذين أعربوا عن شكوكهم في المجالس الخاصة فقد رضخوا بصفة عامة للضغوط من زملائهم في مراكز تحقيق الأرباح بالمؤسسات التي يعملون فيها عطفاً على رغبتهم في عدم التشويش على تلك الماكينة الجالبة للأموال في تلك المدينة. وبالمثل فإن شركات التصنيف قلما رفعت علامات التحذير أو الأعلام الحمراء. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وجاذبية التسويق في دبي بدت دلائل المستقبل أمام المستثمرين العالميين حبلى بالفرص المبشرة والواعدة؛ كما أن مؤسسات التدفق النقدي في دبي استفادت من سلبيات بقية المراكز المالية في منطقة الخليج – لتقف دبي بارزةً كمركز مالي وعبوري جذاب يتبع سياسة ودية بحدود مفتوحة (ربما كانت ودية أكثر مما ينبغي). وبهذا فقد استقطبت مبالغ مالية ضخمة من الجميع ولم يتم طرح أي أسئلة عن مصادر تلك الأموال النقدية - سواء كانت روسية أم إيرانية أم من كازاخستان أو أوزبكستان أو باكستان - طالما أن تلك الأموال ظلت تتدفق إلى الداخل. وعلى هذا فإن قلة من مطوري العقارات أو المصرفيين أو رجال الأعمال في دبي هم الذين تساءلوا مستغربين. لقد أطلقت النخبة السياسية والتجارية في دبي كلمة بأن المدينة الدولة (دبي) تعكف على هيكلة ديونها. وهذه الخطوة قد لا تكون كافية لإصلاح ما بدا بمثابة مأزق بنيوي يتعلق بعملية اتخاذ القرارات أكثر من كونه مجرد مشكلة ديون. تحتاج دبي لأن تكون أكثر استشرافاً للقادم وأكثر دقة في تقديم المعلومات والإفصاح عنها في الوقت المطلوب. وحتى وإن لم يكن للسلطات في دبي نية للتضليل أو الإدلاء بمعلومات خاطئة عن قصد فإن توقيت الإعلان الذي تم في الأسبوع الفائت أوحى بخلاف ذلك. فقد اختارت شركة دبي العالمية، الشركة الاستثمارية الحكومية، مناسبة إغلاق السوق وعطلة عيد الفصح في الولاياتالمتحدة وعطلة عيد الأضحى المبارك التي استمرت لأربعة أيام للإعلان عن أنها قد تعلق سداد قسط كبير من ديونها. العالم لا يفرق بين ما يسمى شركة دبي، وهي شبكة من الشركات المملوكة للدولة التي تضم دبي العالمية، ودبي نفسها ، لأن الحدود الفاصلة بين الملكية العامة والملكية الخاصة غامضة. وقدمت مؤسسات الإقراض الدولية المال على أساس دعم ضمني من المحفظة الخاصة بحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والذي يشغل في ذات الوقت منصب رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد عمدت حكومة دبي إلى تعيين ودعم مديرين تنفيذيين مساءلين في نهاية المطاف أمام الشيخ محمد. وربما لا يختلف اثنان على أن أرباح شركة دبي – ولو على الأقل جزء منها - تنتهي في محفظة حاكم إمارة دبي. وعلى النقيض من ذلك، فان أرباح الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، عملاق البتروكيماويات، لا يتم تقاسمها مع العاهل السعودي ولكن مع مساهمي الشركة. كيف اختارت دبي التعامل مع هذه الأزمة سيكون له آثار على دول المنطقة ككل لا سيما وأنها تجاهلت في الماضي المشاكل التي كان بالإمكان احتواؤها في بداياتها. وبالمثل، الكيفية التي ستتعامل بها أبو ظبي مع أزمة دبي سوف تؤثر على آراء المستثمرين في منطقة الخليج، على الأقل في المدى القصير. وتنظر الأسواق العالمية، في أكثر الأحيان، إلى أن أبو ظبي ستكون بمثابة الضامن الأخير لدبي ، وأن أبو ظبي والمملكة العربية السعودية في خير ماداما يملكان الذهب الأسود تحت الأرض (النفط). ولم يقدم زعماء الدول السيادية القوية في المنطقة، المملكة وأبو ظبي وقطر، على تجاوزات مماثلة لتجاوزات دبي (على الرغم من قطر وأبو ظبي وأظهرت بعضاً من التجاوزات). وقد كان ذلك في صالحها خلال الاضطراب المالي العالمي. وتبدو منطقة الخليج في طريقها للخروج من فقدان الثقة في شفافية الشركات والتي أثرت على الجميع في المنطقة عندما برزت مشاكل دبي إلى السطح. ومما لا شك فيه أن شركات دبي ستكون مقيدة بشدة لبعض الوقت وكذلك سيكون الحال للعديد من شركات أبو ظبي على الأقل في الفترة الانتقالية. أما بالنسبة للمصارف الإماراتية خاصة التي مقرها دبي فسيكون الطريق عاصفاً وشاقاً من جراء أزمة دبي. وعلاوة على ذلك سوف يضر الانخفاض في سوق عقارات دبي والذي يرى الكثيرون أنه أمر لا مفر منه بالمستثمرين في أبو ظبي وغيرها. وربما تعدل الشركات عن إصدار سندات في المدى القصير. ويمكن أن يعوق الشعور المتنامي للمصارف المحلية والدولية بضرورة تجنب مخاطر النمو ويعني هذا فرص عمل أقل بالنسبة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وهناك خطر يتمثل في أن المستثمرين العالميين الذين أزعجتهم المشاكل في دبي، قد يقدمون على خفض تصنيف المنطقة بأسرها. غير أن دبي باعتبارها اقتصادا لم تنته بعد لكن الوفرة والنفوذ والغطرسة لم تعد أشياء مستدامة في المدينة الدولة. العقليات والشخصيات المطلوبة لتسوية المشاكل في دبي لا بد أن تختلف عن تلك التي ساعدت دبي في الترويج لنفسها في العالم. وهناك حاجة الآن لفريق على درجة عالية من الاحتراف والكفاءة لإدارة مأزق ديون دبي. وإذا واصلت دبي تضليلها للأسواق العالمية، فإن من شأن المستثمرين الدوليين أن يقولوا لها وداعاً.