ما حدث من تداعيات تركتها مباراتا منتخبيْ مصر والجزائر يثبت مجددا أن كرة القدم يتم استعمالها دائما كوسيلة لتلبية أهواء سياسية بحتة، وبصرف النظر عما جرى وممن جرى، إلا أن الحشد على المستوى الإعلامي الذي تم بعد كل مباراة يشير بشكل مؤكد إلى تحول المباراتين إلى وسيلة لإعلاء الشعور القومي والشعور بوحدة الشعب وتوحده تجاه عدو خارجي مهما كان هذا العدو، وهذا العدو هو في النهاية فريق لكرة القدم وليس جيشا مسلحا. كرة القدم مثلما هي مصدر سلام كما حدث مؤخرا في مباراة منتخبيْ تركيا وأرمينيا هي أيضاً مصدر حرب وإن كانت هذه الحالة لم تحدث إلا مرة واحدة عام 1969 عندما نشبت حرب كرة القدم بين السلفادور والهندوراس خلال مشوار التأهل إلى نهايات كأس العالم التي أقيمت في المكسيك عام 1970، قصة هذه الحرب مضحكة ولكنها تدل على التأثير الذي تعبر عنه كرة القدم كممارسة اجتماعية سلوكية، ففي تاريخ 8/6/1969 فازت الهندوراس على السلفادور بهدف تم تسجيله في الدقيقة الأخيرة من مباراة الذهاب التي أقيمت في الهندوراس، وبدأ لاعبو السلفادور منهكين خلال المباراة رغم مستواهم الجيد المعروف وكان ذلك يعود لأن مشجعي الهندوراس كانوا قد نظموا في الليلة التي سبقت المباراة حفلة صاخبة حضرها عشرات الآلاف حول الفندق الذي كان يقيم فيه لاعبو السلفادور واستمرت حتى أوائل الصباح وذلك من أجل منعهم من النوم والراحة، وجرت مباراة العودة في السلفادور في أجواء مرعبة حيث كان مشجعو السلفادور قد توعدوا المنتخب الهندوراسي رداً على ما قام به مشجعوه في المباراة الأولى، وتم اللجوء إلى نقل المنتخب الهندوراسي بالسيارات المصفحة من الفندق إلى الملعب، وأثناء مرور هذه السيارات في الشوارع كان السلفادوريون يمزقون أعلام الهندوراس ويلقون بها على السيارات المصفحة التي كانت تسير ببطء، وبعد أن خسرت الهندوراس المباراة بثلاثة أهداف للاشيء لقي اثنان من مشجعيها حتفهما في الملعب خلال أجواء صخب جماهيرية، ولجأت الدولتان في اليوم التالي إلى إغلاق الحدود بينهما، ثم قامت ميليشيات سلفادورية مسلحة بطرد الفلاحين الهندوراسيين المقيمين في السلفادور واستولت على ممتلكاتهم، ثم اندلعت الحرب فعلياً ورسمياً بين البلدين واستمرت المعارك أربعة أيام تدخلت على إثرها منظمة الدول الأمريكية لفرض وقف إطلاق النار وانسحاب القوات السلفادورية التي كانت قد توغلت في أراضي الهندوراس. ما يحدث من سلوك سيئ بعد مباريات كرة القدم هو تعبير عن انعدامٍ كامل للوعي يترك أثره في عقلية المتلقي الذي يترك التوازن المطلوب متأثرا بما تركه الانفتاح الكبير على العالم عبر الثورة المعلوماتية، وهو ما أنتج وسائط إعلامية تتيح لأي فرد إمكانية نشر معلومات حقيقية أو كاذبة الأمر الذي ولَّد الوضع الذي شاهدناه، والعلاقات بين مصر والجزائر أكبر بكثير من مباراتين لكرة القدم تنتهي بانتهائهما، وهي علاقة روح ودم وأخوّة ومودة وإخاء، فالمباراتان انتهتا وكأس العالم أيضًا سينتهي، ولن يبقى إلا الحب بين الشقيقين.