بعد نحو عشرة اجتماعات عقدها مع كبار مستشاريه في الحقل العسكري والسياسي ، كشف الرئيس الامريكي باراك اوباما عن استراتيجيته الجديدة بإلاعلان عن ارسال (30) ألف جندي امريكي إضافي على ان يتم نشرهم في هذا البلد بحلول الصيف، ليعودوا في مدة لا تتجاوز ال (18) شهراً. وفي حدود (34) دقيقة مدة الخطاب، الذي القاه في اكاديمية (ويست بوينت العسكرية ) بنيويورك ، اختصر الرئيس اوباما مداولات امتدت لعدة اشهر ، اصبحت فيها مسألة استراتيجية الولاياتالمتحدة في افغانستان محل اهتمام داخل اروقة صناع القرار في واشنطن. قرار سيد البيت الابيض باعتباره رئيساً للقوات المسلحة الامريكية وبيده قرار الحرب والسلم ، زيادة قوات بلاده في افغانستان ليصل عددهم بعد الاستراتيجية الى نحو (98) الفا، (حيث يتواجد هناك (68) الف جندي امريكي بإلاضافة الى مائة الف من القوات الاجنبية) ، استحق ثناء صقور الجمهوريين ، الذين طالما شككوا بقدرة اوباما في الحفاظ على المصالح الوطنية الامريكية. خطاب "الاستراتجية الافغانية" ، اعطى فرصة لاوباما لكي ينأى بنفسه عن تلك الاتهامات ، فوجد نفسه مرة اخرى في موقف دفاعي متصدياً للحملة التي قادها نائب الرئيس السابق ديك شيني، والتي اعتبرت ان شخصية الرئيس الديمقراطي ضعيفة لا تسطيع الامساك بحفظ الأمن القومي الامريكي. هنا في واشنطن يلاحظ المراقب ان اوباما ومنذ دخوله البيت الابيض ، قلما تجنب كلمة "الحوار" ، في القضايا التي تشهدها الساحات الملتهبة في كثير من بقاع العالم ومن ابرزها منطقة الشرق الاوسط ، حيث تعزز الولاياتالمتحدة وجودها وبالتالي الدفاع عن مصالحها الحيوية. لكن في خطابه بشأن افغانستان يمكن وصفه بالمنسجم مع توجه إدارة سلفه السابق جورج بوش ، فقد برر خوض امريكا الحرب على افغانستان عام 2001 عندما اشار الى "ان تنظيم القاعدة هاجم مراكز حيوية في الولاياتالمتحدة ورفض حركة طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ". حتى ان دانييل بليتكا ، والذي يتبوء منصب نائب الرئيس في معهد اريكان اتربرايز، والذي يعد من اكثر المعاهد الاستراتيجية مغالاة وداعماً لرؤية المحافظين الجدد ، والمؤيدة لخوض الحروب الاستباقية حفاظاً للمصالح العليا للولايات المتحدة، لاحظ بإعجاب في خطاب اوباما قائلاً : " كأن بوش هو المتحدث وليس اوباما"، مشيراً :" انه يجب ان يستمر الرئيس اوباما في تعزيز قواتنا بافغانستان وعليه التفكير ملياً في ان لا ينسحب حتى تأمين مصالحنا في جنوب آسيا عبر دحر المتشددين ". ولوحظ بقصد او بغيره، ابتعاد الرئيس اوباما في خطابه الاخير وبشكل كبير عن نداءاته المعتادة حول الآمال والقيم الامريكية، التي جعلها نبراساً لمسيرته الانتخابية قبل ما يزيد عن عام قبل ترؤسه البيت البيضاوي. فقد غابت مفردات ظلت ملازمة لخطب اوباما السابقة ، مثل العدل والمساواة والمثل العليا ، ولم يتضمن أي اشارة لما اثاره خلال شهر مارس الماضي حول موضوع حقوق الانسان واضطهاد حركة طالبان المرأة الافغانية. صحيح أن الرئيس الامريكي باراك اوباما لم يتماد في طرح استراتيجيته مؤيداً للحروب ولم يستخدم عبارات رنانة مثل " النصر" التي طالما كان يطرحها سلفه السابق بوش الذي قاد الحرب في افغانستان والعراق، لكنه وعد وبشكل صارم امام عدد من القوات العسكرية في اكاديمية (ويست بوينت العسكرية ): "حماية مصالح بلاده عبر ارسال (30) الف جندي لوقف زخم طلبان ووقف خطر القاعدة"، وهذه العبارات التي لا تختلف كثيراً وفق مسؤولين محسوبين على الادارة الجمهورية في طرحها عما جاء على ادبياتهم. وقال زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ الامريكي والمحسوب على الجمهوريين أن" الرئيس اوباما على حق في استراتيجيته بخصوص افغانستان حتى تتمكن القوات الافغانية من بناء اجهزتها الامنية". صحيح اختار اوباما ان يستخدم رمزية معينة وهو يخاطب افراد جيشه داخل كلية حربية فلم يلبس الزي العسكري الذي عادة ما كان يختاره سلفه جورج بوش، مشدداً على انهاء الحرب في افغانستان لكن بدت "النشوة الاوبامية" متصاعدة. فالرئيس الامريكي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام نفذ في المجمل استراتيجية قائد القوات الامريكية في افغانستان المتمثلة في ارسال (40) الف جندي لمحاربة طالبان ودعم الحكومة الافغانية. ويبدو ان ثلاثة اشهر من المباحثات دارت بين اوباما وشخصيات عسكرية ومدنية لديها خبرة بالواقع الافغاني جنحت به نحو اتخاذ قرار "المقامرة" إضافة الجنود لهذا البلد، وفق كثير من المحللين الامريكيين. وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام الامريكية اطلقت بعد إعلان الاسترتيجية، مصطلح "حرب اوباما" على الارهاب لكن لا يمكن ان يتجاوز المتابع قلق الرئيس الامريكي في خطابه من عدم نجاح مهمته ، حيث وضع له خط رجعة وذلك عندما وضع جدولا زمنيا لعودة " الابناء الى الوطن"، وتشديده على عدم بقاء القوات الامريكية الى اجل غير مسمى. كما ان اوباما استخدم في وجه المتحمسين للحرب في افغانستان داخل إدارته، ورقة المزاج الامريكي عندما توقف عند المسح الذي قامت به منظمة غالوب ، والذي يظهر ان (35) في المائة فقط من الامريكيين يؤيدون معالجة اوباما الحرب في افغانستان. هذا النهج الجديد ، الذي قدمه اوباما مساء ليل الثلاثاء الماضي سيساهم، بحسب المعنيين بمتابعة الوضع السياسي في الولاياتالمتحدة في تدهور شعبية اول رئيس امريكي ينحدر من اصول افريقية والذي فضلته الامة الامريكية في الانتخابات الاخيرة بدلاً عن منافسه السناتور جون ماكين.