نحن نتواصل بطرق كثيرة، نتكلم مع بعضنا، نتحاور، نتحدث عن أنفسنا، نعبر عن مكنوناتها، نكتب أفكارها، نغني مشاعرها، نسطر خفاياها أبيات شعر متوارية، نرسم أحلامها، نخترع مستقبلها، ندون تاريخها، ونرسم خرائط مشاعرها بطرق كثيرة ومتنوعة. تواصلنا قد يبدأ بلقاء نجتمع فيه حول كوب قهوة وبعض الحلويات أو على مائدة عشاء عامرة تكون مقادير أحد أطباقها مدخلا لحديث يطول، نعرج منه إلى الحديث عن آخر الأخبار الاجتماعية وأحدث الصرعات السياسية والفنية نتشارك الآراء وربما نتجمل كثيرا في محاولة لأن نحصل على تقبل وقبول الآخرين. وتواصلنا قد يكون من خلال حديثنا عن مكنونات أنفسنا مع شخص سمحنا له بأن يتجاوز الحدود التي رسمناها للآخرين، قد نتحدث عن ما نحب وما نكره وما نفكر فيه وما نتوقعه وما نحلم به وما يصيبنا بالخيبة وما يحرك الأمل فينا. وتواصلنا قد يكون بجلوسنا صامتين في لحظة راحة تزول فيها الأقنعة لا نشعر فيها بالضغط الاجتماعي الذي يجبرنا لأن نملأ الفراغ بالكلام. حتى تعابير وجوهنا هي صورة من صور التواصل؛ فحين يسألك أحدهم "مابك اليوم يبدو من شكلك أنك متعب؟" استنتاجه هذا ينبع من قدرته على قراءة تعابير الوجه وما تخفيه تقطيبة الحواجب أو الانتفاخ حو العينين أو الابتسامة التي شقت طريقها إلى وجهك بعد مجهود كبير أو حركة خفيفة تحاول من خلالها أن تتحاشى النظر إلى عيون الآخرين. كثيرة هي طرق تواصلنا مع الآخرين، لكن ما أكثر ما نسيء فهمهم وما أكثر ما يفوتون الفرصة كي يستوعبونا. كل المشاكل الصغيرة التي تكبر فيما بعد تبدأ بسوء فهم صغير حيث تنجح عقولنا في تحوير معنى كلمة قيلت أو رأي سمعناه أو تصرف كنا طرفا فيه، لكن لماذا نسيء فهم الآخرين؟ ألانهم أخطأوا في التعبير عن أنفسهم؟ أم لأننا لم نفهم لغتهم ولم نستخدم القاموس المناسب لفك طلاسم تصرفاتهم؟ "أنت لا تفهم" أو "أنت لست أنا" أو "أنت لم تمر بالذي مررت به فلا تحاول أن تتحدث باسمي أو تتخيل أنك تفهم شعوري" كم مرة سمعنا مثل هذه الجمل ومثيلاتها، وتوقفنا قليلا لنتأمل ما قيل وحاولنا أن ندافع عن تصرفاتنا وأفعالنا ووجة نظرنا، وكم مرة توقفنا عند تفسير بسيط يريحنا وهو "أننا نختلف مع الآخرين ولأننا نختلف من الطبيعي أن لا نفهمهم، فليست من مهمتنا فهم كل الأشياء ولا معرفة دواخل الآخرين مهما اختلفوا عنا ومهما اقتربوا منا ومهما ابتعدوا". لكن هل الاختلاف –الذي هو القاعدة- مبرر كاف لسوء الفهم الذي يحدث والذي نمر فيه ؟