اعتصر الألم قلب كل مواطن عند رؤيته لمناظر الجثث الغارقة والدمار المنتشر جراء السيول التي هاجمت عروس البحر الأحمر جدة، الصور حكت عن عِظَم المأساة وفداحة الفاجعة. هكذا أصبحت عروسنا الجميلة التي نحب، كشف المطر عن وجه قبيح لها لم نتعود أن نراها به، وألبسها ثوباً مرقعاً حل مكان فستان عرسها الدائم. شاهدنا صورة قاتمة لم نكن نتمنى رؤيتها لعروسنا، رأينا الفاجعة تعلو الوجوه والدهشة تسبقها مما حصل بسبب أمطار لم تكن بتلك القوة التي شكلت الفاجعة، كانت أمطاراً ولم تكن أعاصير استوائية كالتي نشاهد في دول العالم وينتج عنها الدمار ما يسبب كارثة، الكارثة حصلت في جدة بسبب أمطار وأيضاً بسبب غياب البنية التحتية المناسبة التي كانت ستمنع الكارثة التي حصلت أو تخفف من حدتها على أقل تقدير، كل العوامل اجتمعت لتسبب الكارثة. أسئلة كثيرة وكبيرة تدور وتدور تبحث عن إجابة شافية تهدئ من روع الصدور وتمسح دمعة المكلوم وتخفف مصاب المنكوب، يتساءل الناس من، كيف، لماذا، ثم ماذا، ولن يضيفوا أين، فالمكان معروف والحدث مشهود. كان لا بد من الإجابة على كل التساؤلات بإجابات حازمة صارمة تقطع الشك وتعلن اليقين واضحاً جلياً لا يقبل التفسير والتأويل، يحدد المسؤولية ويحاسب المقصرين الذين استهانوا بأرواح الناس ولم يكونوا على قدر المسؤولية التي أنيطت بهم مهما كانت الأسباب والمبررات. وجاء دور القائد الحازم العطوف، حازم بقوة الحق وعطوف برحمة الإنسان المتفهم لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، تدخّله جاء للدفاع عن حق المواطن وحتى المقيم، هو لا يرضى أن يحدث ما حدث دون محاسبة المتسبب أو المتسببين، لا يرضى إلا أن يعيد الأمور إلى نصابها والحق إلى أهله، هو لم يستثنِ أحداً، فكل من له علاقة بحدوث الكارثة مسؤول عنها، الأمر الملكي لا يحتمل الاستثناء بل يبحث عن الحقيقة أينما كانت، يبحث عمّن تخلى أو قصّر في تحمل المسؤولية سواء كان شخصاً أو جهة، الأمر الملكي جاء حازماً لا يمكن تأويله إلا لجهة مصلحة المواطن ومحاسبة من سوّلت له نفسه العبث بالمسؤولية والتخلي عنها في الوقت الذي كان يجب أن يكون على قدرها وتحمّل أمانتها والإحساس بها. كارثة جدة كشفت ما حاول البعض أن يستره، أن يخفوا ما فعلت أيديهم متناسين أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، والآن جاء وقت المساءلة والمحاسبة وتحديد المسؤولية ليتأكد الناس تماماً أنهم - بعد حماية الله - في حماية دولة لا ترضى بالضيم لهم، لا ترضى أن يعبث كائن من كان بأمنهم وطريقة عيشهم بكل استهتار وانعدام الإحساس بالمسؤولية، ليتأكدوا أن صوت الحق في هذه البلاد دائماً ما يرتفع عالياً حتى يصل عنان السماء. لم يتوقف الأمر عند الحزم الذي كان لا بد منه، بل صاحبته لفتة إنسانية غير مستغربة بل على العكس متوقعة من ملك لقبوه ب(ملك الإنسانية) وأصابوا أيما إصابة، هو لم يأمر بمحاسبة المقصر أو المقصرين فقط ولكنه أمر بتقديم مساعدات عاجلة ومجزية لن تمحو فقدان الأشخاص ولكنها بكل تأكيد ستخفف من آلامهم وتعزيهم وتمسح دموع الألم والفراق والفقدان، ستعينهم على بدء حياة جديدة بعيداً عن ألم مصابهم، سينظرون للمستقبل نظرة تفاؤل، ليسوا هم فقط بل جميعنا سيتأكد أن ظهورنا محمية بدولتنا إنها ترعانا ولا تقبل لنا الظلم أبداً، وهذا أمر ليس بغريب، فمنذ الملك المؤسس وهذا هو ديدنها، لا نقول إننا المجتمع الفاضل ولكن نؤكد أننا من أفضل المجتمعات التي تتعامل بشفافية عالية تجاه الكثير من الأمور، وما بعد كارثة جدة جاء ليؤكد هذا الاتجاه ويعبّر عن تلك الشفافية ويجسّدها حقيقة على أرض الواقع بالحزم المنشود والعاطفة المطلقة وهما أمران قلما يجتمعان ولكنهما اجتمعا في أمر خادم الحرمين الذي أثلج بالفعل صدورنا وخفف من حزننا وألمنا بعروسنا المكلومة. ما يتمناه كل مواطن أن اللجنة التي تشرفت بتكليف الملك أن تكشف لنا حقيقة ما حدث وأن يتم تحديد المسؤوليات والأشخاص الذين تسببوا في نكبة عروس البحر الأحمر وأن تتم محاسبتهم كلٌ على قدر تخليه عن مسؤولية عمله أو تهاونه فيه.