** كتب المئات عن كارثة جدة، واتفق الجميع على ضرورة محاسبة ومحاكمة "المفسدين" في الأرض و"البحر"، الذين عبثوا بالمليارات التي خصصتها الدولة لمشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول، وكذلك من قاموا ببيع أراض غير نظامية في الأودية ، بطرق غير نظامية، ومن قاموا بإيصال الخدمات لتلك المخططات بطريقة غير نظامية، وكأن جدة التي كانت عروساً جميلة، أصبحت غابة قبيحة، ليس فيها أدنى درجات احترام الأنظمة. وسوف أتناول الكارثة من زاوية مختلفة، هي واقع قطاع المقاولات في المملكة، الذي للأسف سيتسبب في كوارث أخرى مستقبلاً، حيث يعيش ويترعرع وينمو هذا القطاع في حالة صارخة من الفوضى والفساد، وإذا كانت كارثة جدة فضحت بعض مشاريع المقاولات في مجال تصريف السيول، كما قد تفضح هذه "الفاجعة" بيروقراطية وزارة المالية في التعامل مع نذر الكارثة، فإني أدعو الله أن لا تنبهنا كوارث قريبة أخرى، لفضائح أخرى، في مشاريع أخرى، في مناطق أخرى، وجميعنا يدرك أن الدعاء وحده لا يكفي دون فعل الأسباب بمنطق وصدق وحزم. ** هل تعلم عزيزي القارئ أن هناك أكثر من 100 ألف شركة ومؤسسة مقاولات مسجلة في المملكة، معظمها يعمل بشكل مخالف للأنظمة، وذلك تحت مظلة التستر، وكثير منها يتاجر بالتأشيرات، ومنها من لا يحصل على مشاريع من بعض الأجهزة الحكومية إلا بدفع عمولات كبيرة تؤثر حتما على جودة التنفيذ، وتؤدي حتما إلى غياب الرقابة أو ضعفها، كما تؤدي إلى هدر مالي كبير كان – ولا يزال – بالإمكان الاستفادة منه في إقامة مزيد من المشاريع الحيوية التي تحتاجها كافة مناطق المملكة، وعلى رأس تلك المشاريع المستشفيات، والتي تقف اليوم عاجزة عن مواجهة كارثة جدة. ** لقد حان الوقت لتنظيم قطاع المقاولات، وإيجاد الآليات الكافية لمراقبة تنفيذ المشاريع الحكومية، والتأكيد على محاسبة المقصرين والتشهير بهم، متى ما اتضح أن هناك تجاوزات، أو إهمالا مقصودا في التنفيذ، ولو بعد سنوات. ومن الأمور المستغربة أن شركات المقاولات الكبرى في المملكة، رغم ضخامة أنشطتها، لم يتحول أي منها إلى شركة مساهمة، وقد يكون أحد أسباب ذلك الفوضى في البيئة التي تحكم عمل هذا القطاع، كما أنه من الملاحظ أن هناك شركات مساهمة شبه حكومية في قطاعات البنوك والاتصالات والبتروكيماويات والتأمين، وفي كافة القطاعات الاستثمارية الرئيسية، باستثناء قطاع المقاولات، رغم كبر سوق المقاولات في المملكة، وما يتم تنفيذه من مشاريع بمئات المليارات كل عام. ولتطوير هذا القطاع أرى من الضروري قيام الحكومة عبر أذرعتها الاستثمارية بتأسيس أكثر من شركة مساهمة في قطاع المقاولات، ويمكن أن يتم بعد سنوات إصدار قرار، يتضمن عدم السماح بالدخول في أي مناقصة حكومية تتجاوز مبلغا معينا، إلا من قبل الشركات المساهمة. ** في كل الأحوال يجب أن تتضافر جهود الجميع، لمراقبة وتطوير أداء شركات المقاولات في المملكة، وفي ذات الوقت محاربة التجاوزات في ترسية المشاريع، وليس التعامل مع هذه التجاوزات كأمر واقع، وكمتطلب "طبيعي" للحصول على المناقصات، بغض النظر عما سيحصل مستقبلاً من "فواجع"!!.