كيف نصل إلى أداء متميز في القطاع الحكومي؟ هذا السؤال طرحه مؤتمر التنمية الإدارية الدولي الذي نظمه معهد الإدارة العامة بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشائه. وقرأنا أن من أهداف المؤتمر تعزيز التميز في أداء القطاع الحكومي، وتحسين تقديم الخدمات الحكومية، وإبراز دور قياس الأداء في تطوير الخدمات الحكومية، واستشراف الدور المستقبلي لمؤسسات التنمية الإدارية وإسهاماتها في تطوير الأداء. تلك بعض أهداف المؤتمر التي وردت في وثائق المؤتمر، وأجدها مدخلا مناسبا للتعليق على مقولة ذكرها المتحدث العالمي توم بيترز لإحدى القنوات التلفزيونية على هامش المؤتمر فقد أشار إلى أن القيم الدينية التي يؤمن بها مجتمعنا تمثل أرضية خصبة للأداء المتقن وتطوير الخدمات. توقفت عند هذه المقولة وأعلنت موافقتي فلا خلاف على أن القيم الدينية تحث على إتقان العمل، والمشاركة، والجدارة، والأمانة، والتعاون ، والإخلاص، والنزاهة .. الخ. وهي قيم كفيلة بتحقيق كافة أهداف التنمية الإدارية والوصول إلى الإصلاح الإداري المنشود. ونحن في المجتمع المسلم نعرف هذه الحقيقة ونعرف أيضا أن المجتمع الذي جاء منه توم بيترز مجتمع يلتزم بمعايير العمل الاحترافي، الصرامة في تطبيق قيم العمل المهنية و الأخلاقية. وفي المجتمعات المتقدمة يتم التعيين والاختيار والترقية وفق مبدأ الجدارة فيحصل على الوظيفة من يمتلك المؤهلات والمهارات المطلوبة المبنية على الوصف الوظيفي وما يتضمنه من مسؤوليات. ليس لجنس الشخص أو أصوله أو علاقاته أي تأثير في اختياره أو ترقيته. في أمريكا وصل السيد باراك أوباما من أصول أفريقية إلى رئاسة أمريكا. وفي ألمانيا وصل إلى منصب وزير الصحة فيتنامي، كان قد وصل إلى ألمانيا صغيرا يتيما بعد حرب فيتنام حيث مرّ بأحد الملاجئ قبل أن تتبناه عائلة ألمانية. إننا حين نستشهد بالدول المتقدمة في استخدام المعايير المهنية في التقييم والتوظيف، وفرص التقدم في مسارات الحياة المختلفة فإنّ ذلك يرجع ببساطة إلى أنهم هناك لا يكتفون بالتنظير عن المعايير الموضوعية وإنما يمارسونها في الميادين المختلفة... وعندما نستحضر تجارب الدول المتقدمة في الإدارة، وفي التعليم فهذا لا يعني أنها مجتمعات مثالية أو أنها بلا مشكلات، أو أن مجتمعاتنا العربية ليس فيها سوى المشكلات. القضية لا تعالج بهذه الطريقة والعبرة دائما في النتائج والمخرجات والإنتاجية. في العالم العربي قد نتحدث عن الجودة أكثر مما يتحدثون عنها في تلك المجتمعات لكن حين ننزل إلى الميدان فلن نجد آلية عمل واضحة لتطبيق الجودة. وقد نتحدث أكثر من غيرنا عن الكفاءة، والجدارة، ثم نكتشف أن العلاقات غير الرسمية ذات تأثير قوي على اتخاذ قرارات التوظيف والترقيات. الإدارة العربية تتوفر لها الأرضية الثقافية الغنية بالمبادئ والقيم، وفي الميدان حاجة إلى تعزيز الممارسات وتطوير الآليات للوصول إلى إدارة عربية فاعلة تقود مشاريع التنمية وتقدم الخدمات العامة للمواطنين بطريقة متطورة. القضية ليست فقط كيف نصل إلى أداء متميز في القطاع الحكومي بل كيف نحقق التنمية الإدارية بمنظورها الشمولي والتي ينتج عنها ذلك الأداء المنشود. ( وللحديث بقية)