إحساس الإنسان بالخوف من المستقبل المجهول هو أكثر ما يؤرقه ويُرهقه، ولا نبالغ إذا قلنا بأنه أحد أكبر أسباب شقائه في هذه الحياة، فحتى وهو يعيش أيام الرخاء والأمن يكون ذهنه مشغولاً بالتفكير في أيام الشدة والخوف؛ وتوقع حضور اليوم الأسود الذي يُكدر صفو الأيام البيضاء احتمال وارد لا يبارح مُخيلته، فالغني يخاف من الفقر، والفقير يخاف أن تزيده الأيام فقراً على فقره، والشاب يخاف من الهرم والشيخوخة، والعاشق يخاف فراق من يُحب، وانعكاس ذلك الخوف على حياتنا وتصرفاتنا وكذلك أقوالنا التي نتفوه بها أمر طبيعي، وتدلنا الكثير من القصائد على تغلغل إحساس القلق من قدوم اليوم الأسود والأيام الحالكة في نفوس العديد من الشعراء، فالشاعر سعد الحريص يدعو في إحدى قصائده بأن لا تصدق الأحاسيس السيئة التي تُحدثه نفسه بها عن وجه الغد العبوس: أقول وجه الزمن باكر علينا عبوس والله يكذب فزع نفسي وأحاسيسها ويتساءل الشاعر شبيب بن شاهر أيضاً عن مقدار الهم والضيق اللذين يمكن أن تضيفهما الليالي القادمة إلى حياته: لولا القصايد بعض الأحيان يا خال خطرٍ عليّ من الهجوس أستخفي أدله بها ساعات يا طيب الفال لو إنها عن مقصدي ما تكفي سود الليالي جورها ضيق البال والمقبله مدري بعد وش تخفي؟ وفي واحدة من أرق وأصدق قصائده يقول محمد بن فطيس مبرراً حالة البكاء حينما تأتي في وضع الاجتماع لا الفراق: إن شفتني ضايق وأهوجس وأسبّه أخاف غدر الوقت والوقت دورات لا تحسب إن دمعي نزل دون سبّه أبكي من الفرقا وهي ما بعد جات اليوم كل أمورنا مستتبه وبكره ما ندري وش معه من مسرات؟ ولا أجد تفسيراً لكتابة شاعر شاب كالمبدع فهد المفرج لقصيدة يوصي فيها ابنته (ريوف) -في قصيدة تحمل نفس الاسم- بالاهتمام به في شيخوخته وضعفه سوى تمكن هاجس الخوف والقلق من المستقبل المجهول في أعماق نفسه: يا ريوف لعلك بحالي تروفين لا قل شوفي وانحنت بي عصايه رد الوفا يا ريوف مابيه هالحين أبيه لا دارت عليه رحايه أبيه لا من صارت العشر ثنتين اليا اتركوني عزوتي واقربايه وأبيه لا منه غدا الليل ليلين لا اشتدت الأيام وأظلم سمايه توّك صغيرة سن منتيب تدرين والعالم الله وش تكون النهايه؟ إما التفتي لي وزينٍٍ على زين والا رميتيني بدار الرعايه ! وجميع هذه الشواهد الشعرية وغيرها ما هي إلا انعكاس لإحساس شبه عام يُخالج الكثير من الناس بشأن المستقبل، مع أن تفكيرنا فيه بهذه الطريقة السلبية لا يمُكن أن يغير شيئاً، فالأجدر بنا أن نُحسن الظن بالله ونتوكل عليه، فالتوكل علىالله هو أفضل سلاح للتخلص من قلقنا من أمور تقع في نطاق الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وحده.