قيل إن أحد أسباب العطالة (عاطل عن العمل) في بلادنا عدم مناسبة تخصص الخريج لسوق العمل وفي هذا القول جزء كبير من الصحّة ولكن ما بالكم بتخصص دقيق كالكيمياء، ومعظم صناعاتنا تعتمد على البتروكيمياء، فمن يتخصص في مجالٍ كهذا من المُفترض أن يجد لهُ مكاناً على الفور في أحد المختبرات ولكن هذا حلمٌ بعيد المنال عن إحدى بنات الوطن التي تقول عن نفسها " أحسُ بأني طاقة مُعطّلة ومُهدرة، لقد تجاوزت ال(35) عاماً من عُمري ولم أبدأ بعد حياتي المهنيّة فمتى أبدأ إذاً ؟؟ الطبيعي أن يبدأ الإنسان حياته الوظيفيّة في سن (22) والله حرام يضيع العُمر هكذا بلا فائدة " ثم تواصل الحديث عن مشكلتها قائلةً " لا يوجد هناك بابٌ إلاّ وطرقتهُ وحينما شارفتُ على حافةِ اليأس توجهت للأعمال التطوعية لعلها تواسيني وتقنعني بأني ما زلتُ نافعة ومُنتجة" . لم أود تكسير مجاديفها وإرجاع سبب عطالتها لكونها أُنثى في بلدٍ ذكوري لا يُطيق رؤية امرأة تسعى لكسب رزقها بشرف حيث مكانها الأبدي هو بيتها حسب زعم البعض وتذكرت فوراً قضيّة عدد من بنات بلادي كتبتُ عنهن منذ زمن بعيد بعد أن طُردن من عملهن في إحدى الشركات حين كُنّ يعملن في مُختبراتها، الغريب أن الفصل لم يصدر من الشركة التي يعملن بها، بل بتدخّل هيئة ترى المرأة وراء كل الشرور..! المُدهش في حكاية اليوم هو مصادفة تخصص الكيمياء بين المفصولات وبين صاحبة الشكوى، فلعل السر يكمن في الكيمياء التي متى ما أتحدتْ عناصرها تآلفت ومتى اختلفت تنافرت وهذا سر عدم تآلف كيمياء بعض البشر مع بعضهم مما يؤدي إلى مقولة " لم أرتح لهُ من أول نظره" كأنما أجنحة حُلم صاحبة الشكوى قد نمتْ فطارتْ وتبخرت وهي تتذكر اللحظات التي اختارت فيها ذاك التخصص وثقتها بصواب قرارها، وأظن لو عاد بها الزمن للوراء لقررت الهرب من تخصص دقيق كهذا واختارت تخصصاً نظرياً شرعيّاً يفتح لها الأبواب بكل ترحاب نحو الوظيفة المضمونة، وللعلم فإن أكثر شيء آلمني في هذه الحكاية حين ترى المواطنة أُختها الوافدة بذات التخصص تتربع مرتاحة في وظيفتها وبنت البلد محرومة تنظر بعين الحسرة لذات المكان مع أن الجنس واحد موسوم ب( أُنثى) ...!!! يقول الروائي جوستن غاردر" نحنُ اللّغز لا يحزُر جوابهُ أحدْ، نحنُ حكاية الجنيّات العالقة في أسر صورتها، نحنُ ما يهيم في كُلِ وادٍ من دون أن يبلغ فهماً واضحاً " الله على هذا التصوير الباذخ يا غاردر.