«نجد» هذا الفضاء المسرحي المدهش والساحر لا أعتقد أن في الكون مماثلا له، أو متقارباً معه من حيث قسوته إلى حد الوجع، وحنانه إلى حد الدفء، ف«نجد» المكان، والزمان، والحياة فيها أضواء كثيرة إن في مناخها الجغرافي، وإن في نمط الحياة والظروف عبر تفاصيل أزمنتها، وإن في تعاملها مع إنسانها الذي يسكنه اليأس إلى حال التفتت، وفجأة يمتلك الفرح والدهشة والأمل إلى حد الترف، والنشوة، والبذخ. «نجد» فضاء مكاني، وزماني عجيب، ملهم إلى درجة أسطورية، ومعلم حد الحكمة، وصياغة العقل، والفكر، والوعي. وباعث على تعاطي الحب، وممارسة العشق، وتكريس الوعي بالجمال وتأثيراته الحادة في الشعور، والسلوك، والعواطف. لهذا تجد أن «نجداً» حالة رومانسية، كما هي سوريالية، تعشقها إلى حد الجنون دون أن تجد تفسيراً ومسوغاً لهذا العشق. لكن بالمطلق لا يمكن أن يقوم بينك وبينها حالة جفاء، وتباعد حتى في أشد أزمنة قسوتها. هذه الأيام نستقبل ليل نجد عذباً كما قُبلة أولى على شفتيْ فتاة باذخة الجمال، طاغية الأنوثة، شهياً كما مياه الأمطار، ونعود بالذاكرة إلى أيام الزمن الجميل في «الجافي» و«قري الملقا» و«الطوقي» وغيرها من الشعاب، حينما كان «السامري» والطار، واللعبونيات «ويا جر قلبي جر لدنا الغصون» تسري إلى مساحات واسعة تفرح القلب، وتبعث النشوة، وتعيد ذاكرة مسرح العشق، والغرام، وجنون اللهفة الذي كان سلوكاً رائعاً في فضاء نجد الجغرافي. نعود بالذاكرة إلى تلك الأيام، وممارسات الفرح، وامتلاك الدهشة دون أن نخشى من احتجاج فكر مريض متكهف سوداوي. في هذه الليالي أتذكر الرائع ابن الدمينة «وقد زعموا أن المحب إذا دنا يملّ، وأن النأي يشفي من الوجد بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع إذا كنت من تهواه ليس بذي ود إلا يا صبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجد رعى الله من نجد أناسا أحبهم فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودي» نجد، أنت ملهمة، أنت ساحرة..!؟