كنت في زيارة لطاجيكستان الشهر الماضي لحضور مؤتمر عن أبي حنيفة، وأهل تلك البلاد من أهل السنة يتبعون المذهب الحنفي؛ وقد أخذنا جولة في العاصمة الطاجيكية وكان يرافقنا أستاذ طاجيكي يدرس بالجامعة ويتحدث العربية بطلاقة، واستوقفني في أحد الشوارع المهمة مبنى ينبض بحركة الداخلين، وسألت عنه فقال مرافقنا: هذا هو المكتب الثقافي الإيراني. فسألت عن أعماله؛ فقال بحسرة وأسى: يوزع الكتب وينظم اللقاءات لنشر الفكر الفارسي والأيدولوجية الطائفية. وأضاف: وليس هذا فحسب بل هناك مؤسسات «إمداد خوميني» التي تنتشر في كل مكان. وسألته عن أعمال هذه المؤسسات؛ فقال: إنها تقوم بالتحري عن الأسر المحتاجة كأسر السجناء وأسر المرضى وغيرهم وتقدم لهم شيئاً يسيراً من الغذاء «سكر وأرز»، ومع الغذاء بعض الكتب والأشرطة التي تبشر بالفكر الشيعي الإمامي. وفي المؤتمر الذي حضره الرئيس الطاجيكي؛ فوجئنا برئيس الوفد العراقي يضمن كلمته تلك الأيديولوجية الطائفية، ويذم الأمويين والعباسيين ويترحم على آل البيت، كأن مدح هؤلاء مرتبط بذم أولئك. وقد أخذ يناشد الرئيس الطاجيكي بزيارة ضريح الإمام أبي حنيفة في عراق المقدسات - حسب تعبيره. تذكرت تلك المواقف حين قرأت مقال الزميل د. حمد الماجد الذي نشرته الشرق الأوسط 14/11/1430ه وقال فيه: إن إيران تخوض حرباً أيديولوجية وإنه لا يفل الأيديولوجية غير الأيديولوجية. وتساءلت: يا حمد كيف السبيل إلى ذلك ونحن نرى العمل الإيراني المؤدلج في كل مكان، في مقابل ضبابية المواقف للتيارات الإسلامية السنية المختلفة في العالم الإسلامي من هذه الحرب المؤدلجة، فأين الإخوان المسلمون في مصر وفلسطين واليمن وغيرها ولم يغضوا الطرف عن التطاول على تاريخنا الإسلامي ورموزه من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته رضي الله عنهن لأجل مصالح سياسية رخيصة. وها هي الإدارة الإيرانية تنشد الفوضى عن طريق التظاهر في الحج هذا العام، وتقمعها في طهران، فلماذا لم نسمع أحداً من تلك التيارات الإسلامية والجماعات الدينية يرد على هذه الدعوات الفاسدة، ويذكرهم بقوله تعالى (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). أم أن للمصالح السياسية للحركات الإسلامية هذه أولويات أخرى تسبق التاريخ الإسلامي ورموزه الكرام وشعائره؟! وإذا كان ذلك كذلك.. فماذا تبقى من (الإسلامية) في أدبيات تلك الجماعات؟!