إن التوسع في إنشاء المدن الصديقة للبيئة أو تطبيق معايير هذه المدن والقرى القائمة أصبح مطلبا اساسيا لرفاهية السكان وتمتعهم بحياة مدنية هانئة يمارسون فيها نشاطاتهم الحياتية فى سهولة ويسر ويتجولون في منتزهاتها في أوقات فراغهم في انشراح ومتعة ؛ لا يتأتى إلا في ظل ظروف بيئية معافاة سليمة وصحية خالية من التلوث بأنواعه المتعددة والتي أصبحت مهددا عصريا ملحا يكاد يقضي على مكتسبات المدنية الحديثة فى المجالات التنموية المختلفة ؛ ما لم يتم تداركه بوعي وتخطيط تتبعه برامج عملية تستهدف الحد من التلوث داخل البيئات الحضرية. وفى هذا السياق يعتبر هذا العام انتصارا لخبراء ومؤيدي البيئة بعد مؤتمر البيئة الدولي الأخير، حيث أصبح الجميع مقتنعين ويستمعون أخيرا إلى ما كان هؤلاء الخبراء ينادون به ومنذ عقود. من مشاكل الاحتباس الحراري إلى سيارات الطاقة الشمسية والإلكترونية والنيتروجينية إلى التوجه إلى بدائل الطاقة والوقود للتحول إلى توليد الطاقة بالمراوح أو التوربينات الهوائية ونفق الهواء والطاقة الشمسية. حيث سلطت الأممالمتحدة الضوء على التنظيم المدني في العالم إذ ترى فيه مفتاحا لاستمرار الحياة البيئية على الأرض, بعد أن أكدت دراسات متعددة أن ثلثي سكان العالم سيعيشون مع حلول عام 2030 في ظروف بيئية خانقة. ووفقا لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة الذي ينظم فعاليات التنظيم المدني, سيعيش أكثر من 60% من سكان الأرض في المدن مع حلول عام 2030, وكانت هذه النسبة لا تتجاوز 30% عام 1950 وبلغت 48% عام 2003. وتؤكد الأممالمتحدة أن العالم سيضم قبل حلول عام 2015 عددا من المدن في كل دولة يتعدى عدد سكانها عشرة ملايين نسمة وبالتالي سيصبح في العالم عدد أكبر من هذه المدن الضخمة وبالتالي ازدياد التلوث والضجيج ولتأكيد ذلك تشير الدراسات ان في امريكا وحدها سيصل عدد هذه المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية الى 23 مدينة وان 80 % من هذه التجمعات العمرانية (التجمعات الأسمنتية ) ستكون في الدول النامية. فمنذ بضع سنين ونحن نسمع عن جملة تكررت كثيرا وهى "التنمية المستدامة" أو "التنمية المتواصلة"، وكذلك الحفاظ على البيئة، والعمارة الخضراء، والمبنى الصديق للبيئة، ما كل هذه المصطلحات، وما المغزى منها، وماذا يراد بها،نجد أن التعريف والإجابة لهذه المصطلحات الخاصة بالمدن الصديقة للبيئة أو المرادفة لمعناها ، المختصرة قد تنطرق لعام 1980 حيث تم إصدار وثيقة عالمية باسم "الإستراتيجية العالمية لصيانة الطبيعة"، وتم ذكر تعبير "التنمية المتواصلة" لأول مرة، وكان يؤخذ فى اعتبار هذا التعبير البعد الزمني وحق الأجيال القادمة فى التمتع بالموارد والثراوت الطبيعية كما يتمتع بها الأجيال الحالية ،أي أن هذه التنمية تسعى إلى الاستقرار والاستمرار وتتخطى النظرة الاقتصادية الضيقة والتى تسعى لطلب الربح السريع مع تعظيمه، فتتخطى ذلك بالحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية وتعمل على قابلية استغلالها لمدد أطول من الزمن حتى ولو تم التضحية ببعض الربح لأن التنمية المتواصلة أفضل لكل الأجيال. ومنذ أن تم توقيع 150 دولة فى مؤتمر الأممالمتحدة المعني بالبيئة والتنمية [قمة الأرض] فى ريو دي جنيرو بالبرازيل 1992، وكان للنهوض بالتنمية المستديمة للمستوطنات البشرية، وهو يمثل تحديا رئيسيا غير معتاد لمخططي المدن والمهندسين المعماريين والساسة والمستثمرين بل وكل أفراد المجتمع. إن إيجاد مدنا خضراء صديقة للبيئة يشكل أحد التحديات الكبرى، لذا لا بد من وضع برامج متكاملة للارتقاء بالمناطق السكنية القائمة أو التوسع بها بجانب وضع لوائح بيئية منظمة للمناطق العمرانية الجديدة ،ولا بد من عمل رصد للملوثات البيئية بجميع انواعها(هواء ، ضوضاء ، ومياه) واعداد توصيف بيئي للمدن العمرانية الجديدة لتصبح " مدنا صديقة للبيئة" خالية من التلوث، إن هذا الرصد ليس فقط لقياس نسب الملوثات البيئية ولكن لتحديد مصادر هذا التلوث وايجاد الحلول الفنية للحد من هذه الملوثات وايضا الاستفادة من نتائج الرصد في التوقع المستقبلي لنسب الملوثات بهذه المدن عند زيادة الانشطة او زيادة الكثافة السكانية، ووضع خطة لرصد الضوضاء البيئية بالمجتمعات العمرانية الجديدة وتحديد مصادر الضوضاء بها واعداد خريطة ضوضاء للمدينة للاستفادة منها في اضافة أي انشطة جديدة حتى لاتتعدى مستويات الضوضاء الحدود الواردة باللائحة التنفيذية للنظام العام للبيئة نتيجة أي تغيرات تطرأ في هذه المدن. إن التوسع فى زراعة الأشجار و المسطحات الخضراء هي رئات المدينة ، فهي تحرر كميات هائلة من الأكسجين تساهم في تعديل مكونات الهواء لصالح السكان ، فالأوراق الخضراء تمتص ثاني أكسيد الكربون وتستخدمه في عملية التمثيل الضوئي كما هو معروف وتطلق الأكسجين الذي يعوض ما تستهلكه الكائنات الحية والسيارات وعمليات الاحتراق المختلفة . وقد دلت الدراسات المختلفة على أنه بإمكان كيلو متر مربع واحد من الأشجار أن تحرر في نهار واحد بين طن واحد الى ثلاثة أطنان من الأكسجين وتفيد الدراسات أيضا بأن الشجرة الواحدة يمكنها امتصاص ما تطلقه سيارة ذات محرك احتراق داخلي تسير مسافة 2500 كم . ولذلك لا يجب أن ينسينا التطور العمراني والتوسع فى المدن والقرى وما تحتويه من مصانع وطرق الى أهمية الاهتمام بالبيئة وتقليل التلوث قدر المستطاع لتصبح هذه المدن صديقة للبيئة باتباع الأساليب والإستراتيجيات التى تكفل للبيئة حماية وللمدن نضارة وصحة مما ينعكس إيجابيا على قاطنيها وعدم تعريضهم للمشاكل البيئية التي تسبب العديد من الأمراض ولكي يتحقق ذلك لابد من الأخذ بالمعايير التالية: 1- وضع الاستراتيجيات و الخطط البيئية من قبل الجهات المعنية عند انشاء المدن وتطبيق معايير المدن الخضراء بها. 2- الاهتمام بالجانب البيئي عند إنشاء المدن والقرى ومراعاة ذلك في مراحل التخطيط والتنفيذ لتصبح صديقة للبيئة. 3- تفعيل الإدارة البيئية ووضع برامج متكاملة للارتقاء بالمدن والقرى القائمة وتأهيلها بيئيا. 4- معالجة مياه الصرف الصحي ثلاثيا لتقليل تلوث المياه الجوفية والتربة وذلك لاستخدامها في زيادة رقعة المسطحات الخضراء والتي بدورها تساهم في خفض تلوث الهواء والتلوث البصري. 5- التوسع في إنشاء الحدائق والمنتزهات داخل المدن والقرى و زراعة الأشجار والمسطحات الخضراء على جانبي الطرق وفي الجزر الوسطى لهذه الطرق لتساهم في خفض تلوث الهواء وتقليل الضوضاء الصادرة عن المركبات. 6- الاهتمام بوضع الخطط والبرامج وذلك لتخريج قادة بيئيين وتوسيع رقعة المهتمين بالبيئة لدى المواطنين. * مدير إدارة الصحة العامة بوزارة الشؤون البلدية والقروية