بعد مشاريع مدينة خالية من التدخين، ومدينة بلا أمية، ومدينة بلا ورق، تجري حاليا ترتيبات لإطلاق ورش عمل والاستعانة بخبراء عالميين متخصصين تمهيدا لإطلاق مسمى «غرين سيتي» أو المدينة الخضراء الآمنة من التلوث على المدينةالمنورة، لتكون أول مدينة خضراء في الدول العربية. نبذة عن المشروع لم تتضح الملامح النهائية لهذا المشروع بعد، لأنه ما زال في المراحل الأولى إلا أن مصدرا مطلعا أكد أن المشروع يعمل على وضع تشريعات تقلص من إنتاج النفايات كمرحلة أولى تسبق تدويرها والاستفادة منها في مراحل متقدمة، كما سيدرس ما يجب عمله لتقليل الانبعاثات الحرارية وغيرها من المصانع والأجهزة، إضافة إلى طرح الحلول لتقليص هذا الانبعاث. وأوضح المصدر أن المشروع سيرتكز على الاستفادة من التعاليم والقيم الإسلامية والعربية واستثمارها في هذا الجانب، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي نادى بالحفاظ على البيئة، بدءا من المحافظة على الشجرة إضافة إلى الاستغلال الأمثل للموارد كالمياه والطعام وغيرها من القيم التي تؤهل المدينة لتكون آمنة أو خضراء. فهم ودراسة وقال المهندس عبد العزيز الحصين أمين المدينةالمنورة في رده على سؤال ل «عكاظ» إن المشروع كبير ويحتاج إلى دراسة أوراق العمل بشكل عميق، وعن موعد انطلاق المشروع وخطوات التنفيذ أشار إلى أن هناك ترتيبات نعمل عليها ونتوقع أن تتضح الرؤية الكاملة للمشروع في شهر شوال المقبل، حيث إن مشروعا بهذا الحجم والطموح لابد أن يدرس بشكل دقيق. وحول أهمية المشروع كأحد أهم المشاريع التنموية في المدينةالمنورة، قال: لدينا رجال شغوفون بالمبادرات من أجل مجتمع المدينةالمنورة، ونحرص على دراسة أي فكرة تلبي رغبات هذا المجتمع بشكل علمي، حتى تتم تطبيقها بشكل صحيح. غرين حج وكان مؤتمر الإسلام والبيئة الذي عقد مؤخرا في اسطنبول ناقش فكرة الاستفادة من الحج والعمرة كأكبر تجمع إسلامي للتوعية بالبيئة، وأعلن مسؤولون عن مقترحات لجعل المدينةالمنورة ومكة المكرمة مدينتين خضراوين وآمنتين من خلال تطبيق «غرين حج وغرين عمرة» أو الحج الأخضر أو العمرة الخضراء. وعن إمكانية البدء من الحج أو العمرة لتطبيق المشروع، قال عضو مجلس اللوردات البريطاني اللورد محمد شيخ ل «عكاظ»: إننا نستطيع توجيه المسلمين في كل أنحاء العالم لتطبيق تعاليم ديننا الإسلامي ونظرته المتطورة من خلال قيمه السامية جدا في الحفاظ على بيئة آمنة وخضراء، مؤكدا أن الحج والعمرة هما المناسبة الأنسب لالتقاء المسلمين هناك. لماذا المدن الخضراء؟ قبل الإجابة على السؤال، نترك المهندس سلطان فادن رئيس اللجنة التأسيسية للمجلس السعودي للمباني الخضراء في جمعية البيئة السعودية يتحدث عن مدخل لفهم التغيير الجذري لمسمى «مدينة» الذي بدأ منذ بداية القرن العشرين أو العصر الصناعي الحديث تقريبا، حيث يقول إنه منذ أكثر من حوالى 100 عام لم يكن هناك على وجه الكرة الأرضية أكثر من سبع مدن يزيد عدد سكانها على مليون نسمة، بينما هناك حاليا أكثر من 400 مدينة يزيد عدد سكانها على المليون نسمة، وصاحبت هذه الزيادة والتركيز السكاني عملية التهجير إلى المدن، ففي العام 2008م كان عدد سكان العالم حوالى ست مليارات نسمة، نصفهم تقريبا يسكنون في المدن الكبرى، وسترتفع هذه النسبة بحلول العام 2080م (وحسب المعدلات الحالية) إلى 80 في المائة فيما سيبقى 2-3 في المائة فقط من السكان في القرى والأرياف، وهذا خلل كبير لتوزيع التركيبة السكانية على الأرض. وأضاف أن هذا الاكتظاظ والتكدس البشري في المدن يخلق ضغطا عاليا لتوفير المتطلبات العالية والمستمرة لمقومات الحياة. وتابع قائلا: إن من أساليب توفير الحياة الأساسية في التجمعات البشرية سيكون اللجوء إلى المواد الكيماوية والصناعية لسد حاجات البشر الأساسية مثل الطعام والنظافة والملبس...إلخ، الأمر الذي سيؤدي بدون شك إلى عوامل التلوث والدمار التي ستخلفها هذه التكدسات البشرية وغياب وضعف التنظيمات البلدية، وهو ما يخلق ما يعرف في عصرنا بالعشوائيات والأحياء غير المنظمة. التحول السلبي ورأى أن الإنسان تحول في هذه المرحلة من تاريخ البشرية في تجمعاته البشرية من فصيلة تتأقلم مع الظروف المحيطة به ويتكيف معها، إلى تجمعات بشرية تفرض سيطرتها بالغصب على البيئة المحيطة، وبالتالي أصبح أثر التجمعات البشرية السكانية سلبيا على ما يحيطها من خلال استنزاف ضخم للمصادر الطبيعية مثل المياه، والى حد أكبر وأسوأ تدمير الحياة الطبيعية مثل هدم الجبال وغزو الشواطئ، إضافة إلى أن التجمعات البشرية أصبحت تجمعات إستهلاكية ضخمة أكثر منها إنتاجية، وخصوصا بالنسبة إلى المياه والطاقة.. وهذه الأمور تعاني منها مدن معظم الدول التي لا تتوفر فيها مقومات الحياة الأساسية كالغابات والأنهار، وتعاني من نقص واضح في المياه والغذاء والطاقة، إضافة إلى أن هذا الضغط والطلب العالي للسكان ينتج عنه كميات هائلة من النفايات والمخلفات (ومنها مخلفات الصرف الصحي)، الأمر الذي يتطلب مجهودات أضخم للتخلص منها. وأشار الى أن تلك الأسباب أصبحت تتطلب توفير خدمات عامة هائلة لإبقاء عامل التوازن في دائرة الإنتاج. وبالطبع هي متطلبات تفوق بمراحل قدرات أي كيان رسمي. الاستدامة في المدن وقال المهندس سلطان فادن إنه لذلك نشأت فكرة مدن الاستدامة بهدف تحقيق التوازن للوضع المختل الحالي لعجلة المدن، أو على الأقل الحفاظ على المصادر كما هي عند تسلمها، إضافة إلى القدرة على توفير ما يتيسر من المصادر الطبيعية للأجيال المقبلة. وأضاف: لكن للأسف مع تدهور وتناقص المقومات والمصادر الطبيعية، وزيادة معدلات الاستهلاك بصفة عامة، أصبح من الصعب تحقيق الاستدامة أو المدينة الخضراء بالمعدلات الحالية، ولكنه غير مستحيل. كيف نطبق؟ اما الدكتور أحمد عاشور مختص في شؤون البيئة، فقال إن إيجاد مدن خضراء صديقة للبيئة يشكل أحد التحديات الكبيرة في عصرنا الحاضر ولا يقتصر على دولة أو مدينة دون أخرى حيث تسعى المنظمات الدولية إلى وضع منظومة متكاملة للارتقاء بالمناطق السكنية أو التوسع المستقبلي وحققت انتصارا كبيرا وملحوظا على مستوى المؤتمرات الدولية التي عقدت هذا العام لحل المشاكل البيئية وخصوصا في مجال استخدام الطاقة البديلة. وأضاف: لكن مما يؤسف له أن التنفيذ على الواقع الفعلي أقل بكثير مما تم تحقيقه والاتفاق عليه نظريا. مشيرا إلى أن البعض استغل أهمية الموضوع في مناسباتهم لتكرار جمل رنانة عن البيئة المستدامة والعمارة الخضراء والمدن الصحية إلخ... لتحقيق مكاسب جانبية أخرى. وحول أهمية المدن الخضراء في تحقيق التنمية المستدامة، قال إن المدن الخضراء الصحية أصبحت مطلبا أساسيا وليس ترفا أو من الكماليات، وذلك للحفاظ على صحة الإنسان وعلى ما تبقى من ثروة للأجيال القادمة، وكلما تقدم الوقت يصبح تطبيق البرامج والاستراتيجيات أمرا صعب التحقيق ومكلفا على ميزانية أي دولة، لذا يجب مراعاة الوضع البيئي عند التخطيط المسبق لأي مدينة جديدة أو توسعات حالية وإلا سيصبح الأمر جريمة في حق أمة ووطن وفي حق الإنسانية جمعاء. بداية الفكرة ورأى الدكتور عاشور أن بداية فكرة المدن الخضراء انطلقت من المباني الخضراء ثم الحي الأخضر وصولا إلى المدينة الخضراء، وقد تعددت الأسماء فيها فتارة تسمى المدن الصحية وتارة المدن صديقة البيئة وتارة العمارة الخضراء وتارة العمارة البيئية، كما اطلقت عليها أخيرا الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وأضاف: التكدس البشري في المدن نتيجة لزيادة عدد السكان في العالم صاحبه ضغط كبير لتوفير متطلبات ومقومات الحياة الأساسية للتجمعات البشرية، مما أدى إلى اللجوء إلى أساليب وإدخال مواد غير طبيعية عدة في حياتهم مثل المواد الإسمنتية لبناء مساكن شاهقة تكفي الأعداد البشرية والاستعانة بالمواد الكيماوية والصناعية لسد متطلبات واحتياجات البشرية، إضافة إلى زيادة معدلات الاستهلاك واستنزاف كمية ضخمة للمصادر الطبيعية مثل المياه وأشجار الغابات والجبال والاحتياج للطاقة وتعدد مصادرها، كما أفرزت التكدسات البشرية مخلفات متنوعة وكبيرة واختلفت هذه الظاهرة السلبية من مجتمع إلى آخر، ولكنها تفاقمت في الدول النامية نتيجة غياب وضعف التنظيمات البلدية وخلق ما يعرف بالمناطق العشوائية مما أدى في النهاية إلى تدمير كمية كبيرة من الحياة الطبيعية. وأكد عاشور على أهمية أنه لا يمكن تطبيق برنامج موحد للمدن الخضراء والصحية في كل دول العالم بنفس الأسلوب لاختلاف الظروف بين الدول وطبيعتها الجغرافية والاجتماعية، ورأى ضرورة وضع برنامج مستقل لكل مدينة حسب ظروفها مع الأخذ بالاعتبار كل الظروف الخاصة بالمجتمع والعادات والتقاليد السائدة لكي يتلاءم البرنامج مع ثقافات وخصوصيات كل مدينة. ولكن من وجهة نظره، فإن أهم مقومات نجاح المشروع وضع خطط وبرامج تهدف إلى رفع مستوى الخدمات وظروف الصحة البيئية والتركيز على ما يلي: 1-زيادة الوعي في القضايا البيئية والصحية في إطار جهود التنمية البيئية وتعريف السكان بكيفية تنمية موارد مجتمعهم والحفاظ عليها ودعم بعضهم البعض والتعاون مع القطاعات المعنية. 2- استقطاب دعم مشاركة المجتمع في معالجة المشاكل البيئية وإعداد وتنفيذ الأنشطة والمشروعات الصحية والبيئية. 3- دعم وتعزيز قدرة المحافظات للتصدي للمشاكل الصحية والبيئية في المدينة باستخدام أسلوب المشاركة والعمل الجماعي في كل القطاعات المعينة مثل (الأمن والصحة والبلديات والتعليم والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والمياه والصرف الصحي والكهرباء) وغيرها مع أفراد المجتمع وتشكيل ما يسمى الهيئة العليا أو مجلس المنطقة، ووضع خطة موحدة للوصول إلى أعلى مستوى في الأداء واستغلال الإمكانيات والخدمات المتوفرة في المجتمع وضمان الاستمرارية المتواصلة الأداء دون التوقف عند حالة معينة ودون النظر للعامل الزمني. مقومات النجاح وورأى أخيرا أن أهم ما يتوقع الاهتمام به لبناء مدينة خضراء هي: توفير المياه الصالحة للشرب ونظام للصرف الصحي وتنظيم استخدام الموارد الطبيعية وخفض الهدر من الموارد والحد من إنتاج الملوثات والمخلفات وتحقيق التوازن من البيئة المشيدة والبيئة الطبيعية، إضافة إلى النظافة العامة والتخلص من النفايات وإعادة تدويرها واستخدامها، وانتشار الحدائق والمنتزهات والمساحات الخضراء الكبيرة ومشاريع التشجير وتوفير برنامج الوقاية والرعاية الصحية الأولية والمستشفيات المتخصصة للحد من الأمراض ولإيجاد وضع صحي جيد، كما أكد على أهمية التوزيع السكاني الجيد والحد من ارتفاعات المباني مع إيجاد مساحات خالية تحيط بالمساكن، وربط أرجاء المدينة بشبكة حديثة من الطرق والمواصلات، وخلوها من مصادر التلوث البيئي والضوضاء. وشدد على إيجاد منظومة متكاملة من خلال مشاركة أفراد المجتمع في تحمل المسؤولية وتقديم الحلول والمشاركة في التنفيذ إلى جانب الالتزام الكامل بالأنظمة والقوانين والتعليمات الموضوعة وعدم الاستثناء فيها وتطبيقها على المجتمع سواسية، لكي لا تحدث رقعة يصعب إصلاحها، والتركيز على الناحية الوقائية قبل العلاجية لسهولة الإجراء وقلة التكلفة.