استعادت برلين امس في اجواء احتفالية كبيرة الذكرى العشرين لانهيار الجدار الذي انتهت بسقوطه الحرب الباردة وتوحدت المانيا ثم اوروبا اواخر التسعينيات. ويشارك الرئيس الروسي دميتري مدفيديف شخصيا في الاحتفالات الى جانب آخر رئيس سوفياتي ميخائيل غورباتشوف الذي قرر حينها عدم قمع الحركات الاصلاحية وسمح للدول الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي باستعادة حريتها. ففي 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 رضخ النظام الشيوعي في المانياالشرقية لضغوط مئات الاف المتظاهرين المطالبين بالحرية وقرر السماح لمواطنيه بالسفر الى الخارج بحرية. وعلى الاثر تجمع على نقاط التفتيش الحدودية بين برلينالشرقيةوبرلينالغربية الالاف من ابناء الالمانيتين، وما هي الا ساعات قليلة حتى تسلق المتظاهرون الجدار وتنقلوا، لاول مرة في حياة الكثيرين من بينهم، بين شطري العاصمة، بينما كان الجدار يتلقى اولى ضربات المطرقات والمعاول التي ما لبثت ان اسقطته. واعتبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل امس بمناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين ان "الوحدة الالمانية لم تكتمل بعد" لا سيما على الصعيد الاقتصادي. وقالت ميركل لقناة "ايه آر دي" العامة ان "الوحدة الالمانية لم تكتمل بعد" لانه لا تزال هناك "فروقات بنيوية" بين شرق المانيا وغربها. واضافت "علينا ان نعالج هذا الامر اذا اردنا الوصول الى مستويات معيشة متساوية" بين شرق البلاد وغربها، مشيرة في هذا الاطار الى ان مستويات البطالة في مناطق جمهورية المانيا الديموقراطية السابقة (الشرقية) كانت منذ اعادة توحيد البلاد ولا تزال ضعف تلك المسجلة في مناطق المانياالغربية. وشددت ميركل، التي عاشت في المانياالشرقية ودخلت المسرح السياسي عند سقوط جدار برلين، على ان "ضريبة التضامن" التي يدفعها مواطنو المانياالشرقيةوالمانياالغربية لتمويل اعادة توحيد البلاد "لا تزال ضرورية". وخلال السنوات العشرين الماضية بلغت قيمة الاموال التي دفعها الشطر الغربي من البلاد للشطر الشرقي حوالى 1300 مليار يورو، وذلك لتمويل عملية تحديث مناطق المانياالشرقية السابقة، بحسب ما اظهرت دراسة نشرت الاحد. وبينت الدراسة التي اجراها معهد ابحاث "اي دبليو" ان اجمالي الناتج المحلي للفرد في المانياالشرقية يعادل اليوم 70% من نظيره في المانياالغربية، مقابل 30% فقط في 1991. ميركل وكلينتون تلتقيان بوسائل الإعلام قبل اجتماعهما في برلين أمس(رويترز) من جانبها دعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الاوروبيين مساء الاحد في برلين، الى تعزيز التعاون مع الولاياتالمتحدة لمكافحة القمع والمتطرفين الدينيين. وفي اشارة صريحة الى حركة طالبان، قالت وزيرة الخارجية الاميركية، "نحتاج الى شراكة تتسم بمزيد من القوة لاسقاط جدران القرن الحادي والعشرين ومواجهة الذين يختبئون وراء هذه الجدران، اي الانتحاريين الذين يقتلون ويمثلون بالفتيات اللواتي يقتصر حلمهن الوحيد على الذهاب الى المدرسة". واضافت "بدلا من هذه الجدران الجديدة، من الضروري ان نجدد الحلف الاطلسي باعتباره حجر الزاوية للتعاون على الصعيد العالمي". وقالت كلينتون في خطاب ألقته عشية الاحتفالات بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين الذي انهى الحرب الباردة واعاد توحيد المانيا، ان "تاريخنا لم ينته ليلة سقوط الجدار، بل بدأ من جديد". وتأتي هذه الدعوة في وقت تأمل الادارة الاميركية في تعزيز الالتزام الاوروبي في افغانستان لمحاربة عناصر طالبان. واعتبرت كلينتون في الامسية التي نظمها المجلس الاطلسي في برلين، "لا يمكننا ان نقبل بأن يحل القمع القائم والمبرر باسم الدين او القبائل محل الايديولوجية" الشيوعية التي كانت قائمة في جمهورية المانيا الديموقراطية. من ناحية اخرى تناولت الصحف الفرنسية في افتتاحياتها الاثنين بمناسبة الذكرى العشرين لانهيار جدار برلين، تاريخ وحصيلة تلك الثورة السلمية، معتبرة انه اذا "انهار جدار فان جدرانا اخرى ما زالت قائمة". وكتب فابريس روسلوه في ليبيراسيون (يسار) انه "اذا انهار جدار في الشرق فان جدرانا اخرى ما زالت في المكسيك وفلسطين وسواهما، يجب هدمها يوما ما بالفؤوس". وابدى جان كرستوف بلوكان من صحيفة لاكروا (الكاثوليكية) تفاؤلا عندما اعتبر ان "ذكرى انهيار الجدار تدفع الى عدم التشاؤم امام انظمة الغطرسة المعاصرة". وبشأن الحصيلة اعتبر ايتيان موجوت في لوفيغارو (يمين) ان "اوروبا ما بعد الشيوعية لم تفرز مجتمعا مثاليا يحذو فيه احترام حقوق الانسان حذو الازدهار الاقتصادي"، مضيفا "ورغم ان اوروبا بعيدة عن السعادة (...) فهي اختارت الطريق الصحيح، طريق السلام والوحدة واقتصاد السوق".