التقطت كاميرات الصحافيين صوراً لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وهما يتبادلان الابتسامات في جو سادت فيه المودة بشكل كبير، وفي إحدى الصور بدت هيلاري بابتسامة عريضة، ونتنياهو كان مغمض عينيه بسرور. ولهذا فقد تلاشى الخوف من أن زيارة "السيدة العجوز" هذه هدفها تصفية الحسابات. بل إنها جاءت لتقول لنا إن الادارة الأميركية تقبل بمبادرة نتنياهو القاضية بتجميد مؤقت وجزئي للاستيطان، وعلاوة على ذلك لن يكون هذا المطلب شرطاً مسبقاً، ولم يسبق أن كان كذلك. لقد تفاجأ كل من كان يتوقع أن هيلاري جاءت لتتحرش بنا، عندما أبدت رفضها لشروط محمود عباس بصراحة بقولها "يجب البدء في المفاوضات للتوصل الى حلول، والمطلب الفلسطيني لا يساعد في السير بهذا الاتجاه". ولكي تلطف تصريحات اوباما، أكدت التزام الولاياتالمتحدة الدائم بأمن إسرائيل، وزيادة على ذلك فاز نتنياهو بوعد للقاء الرئيس باراك اوباما، في ذات الوقت الذي سيشارك فيه في اجتماع الاتحادات اليهودية في أميركا. قبل عدة أسابيع عقد معهد "تخطيط سياسات الشعب اليهودي" اجتماعاً شارك فيه دان شفيرو أحد كبار المسئولين في مجلس الأمن القومي التابع لإدارة اوباما، وذلك لمناقشة الوضع في منطقة الشرق الأوسط. وفي تلك الجلسة سُمعت أصوات تشكو من عدم تواصل اوباما مع اليهود في أميركا، وتلا ذلك تساؤل الى أي مدى ينوي الرئيس الذهاب بضغطه على إسرائيل. وعقب هذا النقاش قرر اوباما إلقاء خطاب أمام اجتماع الاتحادات اليهودية. إن أسوار أريحا لن تنهار جراء خطاب واحد، ومثلها جدران الكراهية لإسرائيل في المنطقة، ولن يظهر السلام فجأة. إن خطأ الرئيس اوباما الأساسي كان ربطه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بسياساته التصالحية مع العالم الإسلامي. لأنه بذلك حفز أبو مازن الى المسارعة بوضع أكبر عدد ممكن من الشروط. أي مفاوضات هذه التي تبدأ بتقديم تنازلات ؟ وكيف يستطيع اوباما الضغط على الفلسطينيين بعد أن ربط حل النزاع بالمصالحة مع العالم الإسلامي ؟. وفي نفس الوقت أدرك الرئيس اوباما مدى القوة اليهودية في أميركا. ففي السنة القادمة هناك انتخابات للكونغرس، وسيكون محتاجاً للدعم اليهودي حتى لا يفقد الغالبية في أحد المجلسين. وتأكد من خطأ اعتقاده بأن إزالة المستوطنات لن تُنهي الصراع. وهناك حقيقة ماثلة أمامنا، فشارون اجتث كتلة "غوش كاتيف" بالكامل وبدلاً من يكافئه الفلسطينيون على ذلك، تحول الموقع الذي تنازلنا عنه الى قاعدة لانطلاق صواريخ القسام. الضغط الرئيسي تحول الآن من نتنياهو الى عباس، الذي وضع شروطاً غير واقعية، على مبدأ لا تُعطي أولاً وبعد ذلك نتحاور، والأساس هو أن نتحاور أولاً ثم نُعطي. في صفقة واحدة فقط يضطر العميل للدفع المسبق، وهو ليس ضمن ترتيبات السلام. ويبدو أن ايهود باراك كان صادقاً عندما قال في وقت سابق "لا يهمني انخفاض وتيرة البناء، ففي النهاية سنُخلي معظم المستوطنات". ليس هناك أي مبرر لوضع شروط مسبقة للبدء بالمفاوضات. فكل شئ يجب أن يكون مطروحاً على الطاولة، ليس على شكل إملاءات بل أوراق مقايضة. أبو مازن لم يرد على اقتراح نتنياهو "التاريخي تقريباً" بإقامة "دولتين للشعبين". ففي إطار هذا الاقتراح ستضطر إسرائيل للتفاوض على مصير أكثر من ربع مليون مستوطن، وعليه ما الذي ينتظره عباس ليوافق على التفاوض حول مبدأ الدولتين؟. ويقول مراقب مطلع على أساليب السياسيين الفكاهية أن نتنياهو لن يفعل أي شيء. "فمن حظه أن اوباما يبدو أنه لاشي وعباس أيضاً لا شيء وعليه فلن يحدث أي شيء". ومع ذلك فاز نتنياهو بالجائزة الكبرى وهي اللقاء باوباما. ويضيف هذا المراقب "إن نتنياهو يضيع الوقت، وأبو مازن يضيع الوقت، والمنتصر في النهاية هي القوة التي تساعد في تضييع الوقت". وفي حديث لي مع أحد صناع السلام مع مصر حول إمكانية تكرار كامب ديفيد عبر خطة أميركية ومشاركة مكثفة من البيت الأبيض حتى يلوح الأمل في الأفق، قال هذا الرجل إنه في العام 1978 أدرك بيغين والسادات بأنه يجب عليهما أن لا يخرجا من هناك بدون "سلام الشجعان"، وهذا التعبير من ابتكار السادات، وهذا الاتفاق لم يكن مسبوقاً بأي شروط أولية. إن اتفاقية كامب ديفيد التي نعرف لم تكن سلاماً بين الضعفاء. وفي آخر مرة كنا هناك اندلعت الانتفاضة الثانية. * صحيفة هآرتس