لا نتحدث عن رواية، وإن كان الحديث عن روائية، فليلى الجهني في كتابها "40 .. في معنى أن أكبر" والصادر حديثاً عن دار الآداب، تفر من سرد الرواية إلى مقاربة الذات، ولذا كان دقيقاً – ربما – أن نسمي إصدارها الثالث ((كتاب الأنا))، لا بنرجسيتها، بل بمقاربتها، ومحاولة فهمها واكتشاف صيرورتها. بلغة بسيطة ومباشرة، تزاحمت حروف الكاتبة على صفحاته الستين، لتصف الوعي والصمت والأمل والانتظار والأمومة والموت والزمن والوحدة والشك و و و .. كل ما يمكن أن تضمه حياة بشر، لا بمنظار سارد الحكمة العارف بالأشياء، بل من زاوية امرأة تقترب من الأربعين، وتتحدث عن ذاتها، وغرابة أفكارها، وتؤكد "هذه الكتابة ليست في مديح ما مضى.. بل لفهم معناه، ولن يفهم معناه سواي". المتابع لليلى الجهني سيجد بعض الإجابات عن تساؤلاته. لماذا لا تكتب وتشارك بالإعلام بشكل مستمر؟! فتجيب " طوال حياتي التي مضت جاهدت كي أبقى، ولم أحفل بأن أكون موجودة"، ومن يتساءل عن سر التوازي السردي بين أحداث روايتها "جاهلية" وبين الغزو الأمريكي للعراق، قد تقول له "ربما ستسبق حرب ما كتابي هذا" فكل كتبها سبقت بحرب، ونحن المحاطون بالحرب من كل جانب. "40 .. في معنى أن أكبر" يتحدث عن أشياء حميمية جداً - هل هناك ما هو أكثر حميمية من أفكارنا حول وجودنا؟ - تكتب ليلى عن عدم رغبتها بالإنجاب "ما أنجبته عصي على الموت، وكل ما أعرفه عن الحياة جعلني أدرك أن الخلود حلية من يعي لا من يتكاثر" وتضيف "الأمومة فردوس هش، لأن عقوق ابن قد يجعله ندماً، ومرض ابن يصّيره عذاباً، وموت ابن سيحيله إلى جحيم". سيفاجأ القارئ بهذا القدر من الحميمية في الكتاب، والتي تتطلب شجاعة حقيقية من الكاتبة، لا لمواجهة الآخرين، بل في مواجهة الذات، وفي مواجهة الوعي بها. تمتد ألفة الكتاب، حتى حديث ليلى عن أبيها " يا لبسمة أبي التي لم تعد ما كانته قبل أعوام" وحديثها عن زوجها " أشعر بغرابة تجاه فكرة أنني: تزوجتك، لغرابتي وليس لغرابة الفكرة نفسها، ولا لغرابتك". ربما كان ما كتبته ليلى يحمل بعض المفارقات، فمن تحب الصمت عن الكلام، تثرثر بالكتابة، ومن تقول "إنني أكبر وأزداد مرضاً بخصوصيتي" تنتهك أهم ما يخفيه البشر أو يموهونه .. أفكار وجودهم. تكتب الجهني "هذه حياتي؛ طويلة وثقيلة وغير مكتملة لأني لم أمت بعد".