من تحت ركام الأيام ، جاءني يشتكي .. قلت له : " خير يا طير" ؟! راوغني ، وزاغ عني ، بعينين ساهمتين ، تحلقان في فلك الغرفة الفارغة ، وقال : " إنني لا أجد نفسي " .! قلت له : " ابحث عنها يا صاحبي " .. " بحثت عنها في عيون الناس .. لم أجدها لا في سواد العيون ، ولا حتى ( في الصفار والبياض ) " !! مسكين صاحبي .. قبل أن يعد إلى العشرة ، ذهب إلى مزارع الدواجن .. وسلك رأس الرجاء الصالح .. ومخر عباب البحار .. وعبر كل المضايق .. ووقف على كل المفارق ، في رحلة بحث مكوكية ، أبقته معلقاً في انعدام الجاذبية .! فاته أننا نحن من يجب أن نقدم أنفسنا للآخر، ونتواصل معه ، دون مساعدة صديق ، أو الاستعانة بالجمهور .! قلت له : ابحث في نفسك عن (نفسك) .. ولا تسأل عنها قارئة (الفناجين والملاعق) ، وتذكر أنها فكّرت وبصّرت حتى تعبت .. فلما غلبت ( وغلب حمارها ) قالت لعبدالحليم : " ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان .. وستسأل عنها موج البحر ، وتسأل فيروز الشطآن " .! لو ذهبت بعيداً عن نفسك يا صاحبي " فسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا ". (مالك ومال الخط المعلق ) ؟! فتش في نفسك عن (نفسك) .. تصالح معها .. روّح عنها .. دللها على طريقة ( كله يدلع نفسه ) .! هل قالوا لك إن حب النفس وتدليلها ( نرجسية ) وأنانية أو هو ضرب من ضروب سوء الأدب ؟! أقول لك ، وأنا بكامل قواي العقلية ، وعلى مسؤوليتي الشخصية ، ( اخْصرْهم ) .. فوالله ما أضرّ بنا إلا ( التجهم ) .. وإنك لتجد الرجل ( يحْوَل ) من كثرة التقطيب .! **** معقول أنت هنا ؟!! وأنت هنا أيضا .. في ( آخر الدنيا ) .! لعله ( أولها ) .. إني أراها ( في جوار الموقد ) من جديد .! هكذا .. يكون المشهد عاصفاً ، والمفاجأة مذهلة .. حينما تضعنا الصدفة في المواجهة .! عندها .. ينهار ( الصمود ) .. وتتهاوى قوى التماسك ( الزائف ) .. لتظهر الحقيقة التي اعتقلناها .. وغلّقنا عليها الأبواب .! يتوارى ( أوار الذكرى ) .. نظن أنها شبعت موتاً ، فإذا هي تنبعث من تحت رماد الأيام .. قوية ، فتية ، وحارقة .! **** من أشياء فايق عبدالجليل الجميلة : كنت انتظرْ .. في الشارع الخالي أصبّر في الصّبرْ .! النّجمة غطاها النّهار .. والساعة ملّت الانتظار.. وأنا على نفس الرّصيف ، اللي تواعدنا عليه ، كنت انتظرْ .!