في عام 1836 ابتكر المهندس صموئيل مورس التلغراف لبعث الرسائل عبر الأسلاك الكهربائية.. والتلغراف أيها السادة هو ماكنا نعرفه باسم "البرقية" أو "المبرقة" التي كان يستعملها آباؤنا لبعث واستلام الرسائل المختصرة.. وبالإضافة لاختراع الجهاز ذاته اخترع مورس شفرة خاصة (يمكن إرسالها كإشارات كهربائية) يترجمها الطرف الآخر إلى كلام مفهوم . وهي شفرة بسيطة تعتمد على تكرار عنصرين فقط هما (نقطة وشرطة) حسب ترتيب متفق عليه . فحرف A مثلا يكتب (._) وحرف B (_...) وحرف C (_._.) وحرف D (_..) . وهكذا لو بعثت إليك رسالة أخبرك فيها بأن "شغالتك هربت" ستصلك على النحو التالي : وسرعان ما شاع استعمال هذه الشفرة عبر أسلاك التلغراف (بين المدن) وموجات الراديو (بين السفن) وهواة التواصل (عبر الأثير) ونداءات الاستغاثة (بين البواخر والطائرات) بل ومن خلال بعثها بطريقة ضوئية (للسفن التائهة في البحر من خلال المنارات الضوئية). وخلال ال160 عاما التالية ترجمت شفرة مورس لمعظم اللغات العالمية (بحيث أصبح حرف الألف في العربية يكتب ._ والباء _... والتاء _ ) . ورغم انخفاض أهميتها هذه الأيام (بفضل تقنيات الاتصال الصوتي والمرئي) لم يخف الحماس لتعلمها واستعمالها في حالات الطوارئ والمهام الخاصة... أما أغرب وأحدث استعمال لإشارات مورس فهو ترجمة إشارات الدماغ (الكهربائية) وقراءة أفكار الناس (بدون كلام) .. وهي فكرة قريبة من مفهوم التخاطر النفسي ولكنها تعتمد على ترجمة التغيرات الكهربائية الصادرة من مناطق معينة في الدماغ تتعلق بما نفكر فيه أو نطلبه . ومن خلال قدرتنا على ترجمة هذه التغيرات يمكن فهم ما يجري داخل أدمغة المشلولين (أو المغشي عليهم) كما يتيح للأسوياء التواصل مع هذه الفئة دون الحاجة للكلام أو التحكم بالأجهزة الكهربائية بمجرد التفكير فيها .. وكانت صحيفة التلغراف البريطانية قد نقلت قبل أيام خبرا عن تطوير العلماء في جامعة ساوثامبتون أول تقنية لإرسال الأفكار بطريقة مورس .. وهي تقنية تعتمد على رصد الإشارات الكهربائية على سطح الجمجمة ثم بعثها لكمبيوتر خاص يترجمها بطريقة مورس (وربما يترجمها مستقبلا الى أصوات مباشرة) .. وبهذه الطريقة يمكن للمعوقين (المحبوسين داخل أنفسهم) التعبير عن مشاعرهم ورغباتهم وإرسالها بطريقة لاسلكية أو حتى كتابتها وبثها عبر الانترنت.. والجميل في الموضوع هو إمكانية استعمال هذه الطريقة للتحكم بالآلات وتشغيلها بمجرد التفكير فيها .. فالنبضة العصبية التي ترافق أمر التشغيل (في الدماغ) يمكن بسهولة ترجمتها الى أمر كهربائي يحرك أي جهاز تتخيله .. وبهذه الطريقة يمكن للمعوقين مثلا التحكم بأوامر الكمبيوتر، والطيارين بأوامر التحليق والذخيرة، وشخصكم الكريم بتغيير قنوات التلفزيون أو رفع المكيف بمجرد التحديق فيهما !! ... وأنا شخصيا على قناعة بأن : المستقبل هو ما نفكر فيه الآن