إطلاق التلفزيون السعودي لقناته الخامسة "أجيال" قبل شهر تقريباً يؤكد رغبة معالي وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجه في تطوير القنوات الحكومية والارتقاء بها نحو المستوى الذي يرضي ذوق المشاهد السعودي ويحقق له المتعة والتنوع. ويغرينا هذا الحدث بالكثير من معالي الوزير ويجعلنا نطمع منه بقناة سادسة –أو على الأقل برامج- يكون اختصاصها إعادة عرض أرشيف التلفزيون السعودي؛ ليست الأغاني ولا المسلسلات فحسب, بل أيضاً البرامج القديمة والأخبار واللقاءات والإعلانات وكل ما تحويه مكتبة التلفزيون. هذه المواد الأرشيفية مطلوبة الآن ويتلهف لها المشاهد السعودي, وحسبك أن تزور موقع اليوتيوب لتجد عدداً من القنوات التي أنشأها شبابنا خصيصاً لعرض برامج من أرشيف التلفزيون السعودي, مثل قناتي النادر ورمضان زمان, والتي يزورها آلاف المشاهدين وبكثافةٍ لا تعبّر إلا عن شوق يكنه السعوديون لماضٍ جميل عاشوه مع تلك البرامج. هذا عدا الصور التي يتراسلونها فيما بينهم عبر المجموعات البريدية والتي توثق أبسط الأشياء التي عايشوها في مرحلة الطفولة؛ من علب البسكويت والحلوى إلى الملابس والبطاطين!. كل هذا يشير إلى حالة من الحنين العارم تجتاح السعوديين نحو ماضيهم المُشترك الذي لا يوجد إلا في أرشيف التلفزيون نظراً لأن القناتين الأولى والثانية هما الوحيدتان اللتان تابعهما السعوديون منذ السبعينات وحتى منتصف التسعينات الميلادية, وفيهما اختُزنت ذاكرة الوطن. وواجب التلفزيون الآن أن ينفض عن أرشيفه غبار النسيان وأن يعرضه للجمهور في قناة سادسة مُستغلاً لهفة الجميع للماضي.. وأنا أضمن النجاح لهذه القناة ومن يومها الأول. شخصياً تعبتُ من البحث عن البرامج والمسلسلات القديمة, زرتُ محلات الفيديو في المربع والملز بحثاً عن أعمال منسية, بل إني اقتنيت أشرطة المباريات القديمة التي نقلها التلفزيون السعودي ليس رغبة في كرة القدم إنما أملاً في أن يكون من سجل المباراة قد نسي أن يوقف التسجيل فوثّق دون أن يدري موجزاً لأهم الأنباء أو على الأقل إعلاناً تجارياً. ووصل بي الأمر إلى شراء أشرطة الفيديو الملقاة على أرصفة "حراج بن قاسم"! على أمل أن يكون من بينها ما يشفي الغلة. وأنا واثق أني لست الوحيد الذي يبحث عن هذه المواد, والإثبات ما ذكرته عن قنوات اليوتيوب والمجموعات البريدية, وما دامت الحالة جماعية فلم لا يستغل التلفزيون هذه الفرصة ويؤسس القناة التي تعرض أرشيفنا كاملاً خاصة أرشيف الثمانينات الميلادية. وخطوة كهذه من شأنها أن تمنحنا تصوراً عن طبيعة حياتنا في تلك الفترة كما أن إثارة الحنين يُذكي بطريقة لا مباشرة مشاعر الحب والتعلق بالوطن الذي احتوى هذا الماضي الجميل؛ إن تذكر اللحظات البريئة السعيدة يُذيب الأحقاد ويفتت الأفكار الخبيثة خاصة في أذهان من غرر بهم. فهل نرى قناةً تعيد عرض برنامج "حروف" و"لمن الكأس" ومسلسل "خزنة"؟. أتمنى ذلك.. وأدعو للتأمل في الإعلام الأمريكي الذي وثّق كل شيء وجعله متاحاً للمواطن الأمريكي يعثر عليه بسهولة سواء في السينما أو التلفزيون أو الصحافة. فهذه المواد هي وثائق تاريخية تُسجّل ذاكرة وطن ومواطن..