"كل يومٍ يا حمد باكر" هذا المثل الشعبي من الجزيرة العربية يرافقني منذ أن تعرفت على شيخنا عبد الكريم الجهيمان في مكتبة معهد العالم العربي بباريس، في مؤلَّفه الخالد عن أمثالنا. يحضرني غيره من الأمثال كذلك الذي كلما تذكرته رأيت أبي. "لكلِّ مطرٍ نَبات". في "كل ّ يوم يا حمد باكر" قراءتان: الأولى بالضم "كلُّ" وهي التي تأخذني إلى أعماق الجزيرة العربية وأزمنتها المتحركة والراكدة على السواء. والقراءة الثانية بالفتح "كلَّ" وهذه لا تعنيني وقد لا تعني أحدا لأنها مُغلقة على قائلها وصاحبه حمد. وقد تعني ببساطة, لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد أو ما يشبه هذا. ما رأيت في حياتي إنسانا يعيش غدَه مثل صديقي الكاتب القادم من مجاهل أفريقيا إلى باريس, ليصبح أحد نجومها التي لا تنطفئ, وبمثل هذا الكاتب سُمِّيت باريس مدينة النور. في ساعته وهاتفه يتقدمنا بيوم, وأحيانا بسنوات, مرة قال إنه يقترب من آخر حرف في حياته, سارعت لرؤيته, كان ذابلا تماما وفي يده قصيدة. حاولت أن أسنده وهو يكاد يهوي, قال لي يكفي أن أن تقرأ القصيدة على الذين لم يروا بعد أن "كلُّ يوم يا حمد باكر" نسيت أني ترجمتُ له هذا المثل في لقائنا الأول, كان أذكانا وأعرفنا بأسرار الكتابة. وفي لقائه بالجمهور, في الندوات أو معارض الكتب وغيرها, كان يكتفي بجملة واحدة في إهداءاته "كل يوم يا حمد باكر" كان اسمه مامادو, لكنه يفرح عندما أناديه حمد. هو الذي عندما يُرتل القرآن يدعو نفسه محمدا. هاتفتني دار النشر التي تُصدر أعماله قبل أيام, سألتهم عنه, وكانوا بدورهم يودون معرفة أخباره. لم يترك إلا مسوّدة لقصيدته تلك التي سندتها يوم كاد يسقط. لقد رحل مامادو إلى زمن لا يعلمه إلا الله,كما كان يتمنى.