لكل وطن أسماؤه الخالدة.. ومفاتيحه التي لا يمكن معرفته بدونها وهذه الجزيرة ليست بدعاً، فما من قرية أو مدينة أو هجرة إلاّ ولها أسماؤها. أغلبية الأسماء تموت دون ان تبقي أثراً. وتبقى الأقلية نسباً وعناوين لكل وطن. بعض الأسماء يتجاوز الوطن، ليصبح اسماً للعالم لينتمي لتلك القائمة التي تفرض حضورها في السماء. خلال قراءتي للجزيرة العربية، انتميت للكثير من أسمائها. عرباً ومستشرقين، رجالاً ونساء منذ ان حملت في تفاصيلها كلمة «عرب» إلى اليوم. ولأن هذه الجزيرة لم تُكشف بعد، فإن في سمائها بقية من الأسماء الكبيرة التي سيأتي العلم يوماً لينفض عنها غبار النسيان. من يعرف أسماءها؟ هنا واحد من آبائنا، هنا رجل لا يمكن ان نذكر الجزيرة العربية دون ان نراه في قائمة الشرف. أعني عبدالكريم الجهيمان. السلام عليك يا أبا سهيل.. يا أبانا الذي علمنا ان للجزيرة العربية لغتها، أساطيرها وأمثالها.قل لنا يا أبا سهيل من علّمك، من قال لك ان «شعباً بلا أساطير يموت من البرد». وان وطنا بلا أمثال وطن من غبار. قل لنا كيف بنيت هذا الوطن الذي يمتد من أقاصي جذورنا إلى أعالي السماء. كيف عرفت ان الإنسان لغة، وان أغلى ما في حوزته أمثاله وأساطيره؟ فيك يا أبا سهيل لكل منا مأوى، ولك في كل منا مقام. قل لنا كيف دخلت التاريخ بالتاريخ ، وكيف عرفت ان المعرفة لا تعترف بالمحاذير وان الأمانة تقتضي ان تقول لنا كل شيء. ما عرفتك يا أبانا إلاّ في باريس في مكتباتها الكبيرة، وعلى ألسنة المختصين في هذه الجزيرة التي تعد مفتاحاً محورياً في قراءة هذه العالم. كنت يا أبا سهيل نسبي، كنت قبيلتي التي أفاخر بالانتماء لها. علمتنا يا سيدي فيما علمتنا ان «كل كلمة لها مكيال» وان «لكل مطر نباتا» وان «كل يوم يا حمد باكر» وانه ما من شجرة إلاّ وهزها الهواء، وان من خفّ للريح طارت به، وأنه لا ينام على جنب واحد إلا الميت، وان بعضهم مثل الابرة تخيط بكل سلك. كم أدهشتنا، كم أضحكتنا، كم أبكيتنا، كم أغنيتنا يا ثروتنا يا جدّنا. كيف لأي منا ان يكتب هذه الجزيرة، ان يقول عنها جملة واحدة دون ان يستند عليك. دمت أبانا يا أبا سهيل.